الحجاب والليبرالية الزائفة
"الحقيقة أن إهانة هؤلاء النساء أو اتهامهن بأي تهم بسبب ارتداء الحجاب أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.. ولا يمثل إلا رأي أصحابه الذين اختبأوا وراء ليبرالية زائفة، وتصورا أن حشر أنفهم في أمور هي من صميم الاختيار الشخصي للأفراد أمر يزيدهم تنويرًا.. والحقيقة أنه يزيدهم فاشية ورجعية".
هذه الفقرة كتبها الأستاذ " الدكتور عمرو الشوبكي" في عموده "معا" بالمصري اليوم تحت عنوان "المعركة الوهمية ردًا على القنبلة التي فجرها الكاتب الصحفي "شريف الشوباشى" بدعوته النساء المصريات إلى الاحتجاج على ارتداء الحجاب والمبادرة إلى خلعه في ميدان التحرير.. والجملة بالإضافة إلى سخافة الطرح ولا منطقيته واعوجاجه فإنها تثير السخرية.. بل لعلها المرة الأولى في حياتي التي أقرأ فيها هذه التعبيرات الكوميدية الغريبة التي تقلب الحقيقة رأسًا على عقب، وتتناقض تناقضًا صارخًا وفاضحًا مع كل بديهية، ألا وهي وصف الذين ينادون بالسفور، بأنهم فاشيون ورجعيون.. وبالتالي يصبح الذين ينادون بارتداء الحجاب بالضرورة– من وجهة نظر " الشوبكي" ديمقراطيين ومسنتيرين ومتحضرين وتقدميين وطليعيين ومجددين ودعاة نبذ إرث الماضي الأصولي والتطلع إلى مستقبل مشرق ومتطور.
وهذا بالطبع ينسحب على وصف بعض الشخصيات التي تقفز إلى الذاكرة بهذه المناسبة.. فمثلاً الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" فاشي ورجعي، لأنه قال في أحد خطبه الهامة مرددًا ضاحكًا في سخرية ودهشة بالغة أن مرشد الإخوان طلب منه ضرورة تحجيب النساء بالأمر المباشر.. وفرضه بالقوة وعلق على ذلك بمخاطبته كيف يطلب منه ذلك بينما بناته سافرات؟؟!!.. كما أن زوجة الشيخ الأزهري " محمد حسن الباقوري وبناته في أوائل القرن الماضي كن سافرات كاشفات الشعر كما يظهرن في الصور الفتوغرافية.. وكذلك فتيات المدارس الأزهرية في ذلك الزمن الجميل الذي كان يحترم نداء الحرية، ولم تكن قد أدركته بعد ثقافة الحلال والحرام والتجريم والمصادرة وفرض الوصاية وعودة محاكم التفتيش.
ولا أعرف حتى الآن من أين استقى الكاتب معلوماته عن أن المجتمع المصري رغم ما به من مشاكل ظل يقاوم كل محاولات فرض الحجاب أو غطاء الرأس بالإكراه.. سواء عن طريق عضلات جماعة تسيطر على حي أو منطقة.. أو قانون إسلامي يفرضه تيار أو حزب ديني يصل للسلطة.
لا يا عزيزي إن الجماعات التي تشير إليها بالإضافة إلى الدعاة وفقهاء التكفير قد حاصروا المرأة بكل الطرق والوسائل.. ومع تنامي تلك التيارات وسيطرتها على كل مناحي الحياة بمساعدة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة، نجحوا فى استقطابهن، بل إقناعهن أن المرأة مخلوق ناقص دنس، خلق لإثارة الشهوات والتحريض على الرذيلة.
وبالتالي فهي عورة.. ليس شعرها فقط بل كلها من رأسها وحتى أخمص قدميها، بل أنهم جعلوهن يوافقن ببساطة وانقياد إلى الانسياق وراء دعوات احتقار المرأة والحط من شأنها وتدعيم ممارسة الإرهاب والعنف ضدها.. ومن منا ينسى مثلاً – أثناء حكم الإخوان – تأييد المستشارات المؤمنات الختان وتزويج القاصرات وإلغاء صور المرشحات في الدعاية الانتخابية وقص شعر التلميذات في المدارس، واستكمالاً لما أورده "الشوبكي" في وصف دعاة التحرر من الحجاب، هل يمكننا أن نقول عن النواة الأولى لخلع الحجاب التي تتجلى فى موقف "سعد زغلول" الحاسم عام 1921 حينما عاد من المنفى واستقبلته الجماهير المصرية بكافة طوائفها استقبالاً حافلاً، كانت بصحبته السيدة صفية زغلول التي قالت له قبل وصول الباخرة إلى ميناء الإسكندرية : ألم يحن الوقت لكي أخلع البرقع فألتفت "سعد زغلول" إلى شابين كانا معه هما "واصف غالي" و"علي الشمسي" وسألهما مارأيكما فاعترضا وقالا في تبريرهما ينبغي ألا تكون هي البادئة، فإذا " بسعد زغلول" (الرجعى الفاشي المتحفظ إذا ما انسقنا إلى نظرة "الشوبكي") يهتف: هذه ثورة.. ارفعي حجابك.
وفي دراسة قيمة للدكتور " ياسر ثابت " نشرها فى جريدة الصباح يربط فيها بين التحرر و خلع الحجاب و يذكرنا بموقف " الحبيب بورقيبة " الذى قام فى اليوم التالى من الأستقلال بسحب غطاء الرأس عن النساء التونسيات .. فهل كان بورقيبة رجعياً متخلفاً .
وتبدأ محاربة الحجاب في تركيا عام 1924 حيث زمان الرئيس "مصطفى كمال أتاتورك" وتأسيسه الحكومة العلمانية التي قامت لأمور أهمها إصدار قانون يمنع دخول المحجبات إلى الجامعة والعمل في المؤسسات الحكومية.. وقد تعرّضت النساء المحجبات من الطالبات والموظفات للفصل أو الإجبار على خلع الحجاب، ففي كل عام دراسي كانت القوات تحيط بالجامعة لمنع المحجبات من دخولها وتقوم الشرطة النسائية بإخراجهن من الجامعة بالقوة.. وتعرّضت الكثير منهن للسجن أكثر من مرة.
فهل كان أتاتورك رجعيًا ظلاميًا متخلفًا أصوليًا غير ليبرالي النزعة فاشيًا ؟! أم أنه ينتمي هو الآخر إلى ليبرالية زائفة ؟!
اللهم ارحمنا يا "شوبكي" من ليبراليتك غير الزائفة.