بنديكت الـ16.. بابا الفاتيكان "المستقيل"
في مثل هذا اليوم الموافق 19 أبريل 2005، انتخب مجمع الكرادلة بالكنيسة الكاثوليكية البابا بنيدكتوس السادس عشر، قبل أن يعلن عن استقالته رسميا بعدها بحوالي 8 سنوات ليكون أول بابا كاثوليكي يستقيل من منصبه منذ حوالي 600 عام، بعد أن استقال قبله البابا سلستين الخامس في أواخر القرن الـ13. ورغم استقالته إلا أنه قد ترك أثرا كبيرا في الكنيسة الكاثوليكية ليس فقط في خدمة البابوية وإنما أيضا طوال 60 عاما خدم فيها الكنيسة الكاثوليكية.
"جوزيف المعلم"
ولد البابا بينديكتوس باسم جوزيف راتزنجر في 16 أبريل 1927 ببفاليا بألمانيا، وتربى بأسرة كاثوليكية محافظة، وبدأ في دراسة اللاهوت والفلسفة بكلية القديس مايكل في جامعة لودفيج ماكسميليان في ميونخ عام 1947 وتخرج منها عام 1951، ورسم كاهنا في نفس السنة.
حصل على شهادة الدكتوراة في رسالته عن الفكر اللاهوتي للقديس أغسطينوس، حتى أصبح في عام 1958 محاضرًا في اللاهوت والفلسفة في كلية فريسنج، ثم جامعة بون في عام 1959، ثم جامعة مونستر، وكانت أول محاضرة يلقيها كأستاذ تحت عنوان "الله في الإيمان والله في الفلسفة"، وتتلمذ على يده كثيرون حتى لقبه البعض بـ"فيلسوف الكنيسة الكاثوليكية".
في عام 1966 أصبح رئيسا لقسم اللاهوت بجامعة تبيجين، ونشر من خلالها العديد من المقالات والمؤلفات اللاهوتية، وعمل بجامعة ريجينسبرج وساهم في تأسيس المجلة اللاهوتية الخاصة بالجامعة، حتى أصبحت هذه المجلة تطبع بسبعة عشر لغة كأحد أشهر المجلات اللاهوتية الكاثولكية.
وفي عام 1977 اختير من البابا بولس السادس ليكون رئيس أساقفة ميونخ، وأصبح من أكثر المقربين للبابا يوحنا بولس الثاني، الذي أختاره رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان في عام 1981، وأسند له مهمة إصدار الـCatechism الخاص بالكنيسة الكاثوليكية والذي يحوي ملخص إيمانيات الكنيسة الكاثوليكية، وظل يحظى بثقة البابا يوحنا بولس الثاني حتى أن أصبح يتردد أسمه كأحد أكثر الكرادلة المرشحين لخلافته، وهو ما حدث بالفعل في عام 2005.
الكاردينال راتزنجر (البابا بينديكت) مع البابا يوحنا بولس الثاني
البابا المستقيل
بعد رحيل البابا بولس الثاني في 2 أبريل من عام 2005، انتخب مجمع الكرادلة الكاردينال راتزنجر ليكون البابا في 19 أبريل ليتم تنصيبه في يوم 24 أبريل باسم البابا بنديكتوس السادس عشر، ويقول البابا أنه اختار اسم بنديكت والذي يعني "المبارك" على شرف اسم البابا بندكت الخامس عشر، والقديس بنديكت النيرسي.
اتجه البابا بيندكتوس لفكرة المؤسسية في الإدارة الكنسية، حيث كان يدعو منذ أن كان كاردينالا إلى اللامركزية، وأعاد لبابوية روما العديد من التقاليد التي قاربت على الاندثار وحتى بعض الملابس مثل القبعة والأحذية الحمراء الشهيرة في تراث الفايتيكان.
ورغم سعيه الدائم للتطوير المؤسسي الذي ضعف في أواخر أيام سلفه، إلا أن عددا من المشاكل كانت أكبر من قدرته على حلها. فهو رغم أنه سعى لحل مشاكل الإعتداء الجنسي على الأطفال من قبل بعض الكهنة الكاثوليك وقرر محاسبة كثيرين كانت قد قدمت ضدهم شكاوى في أواخر أيام البابا يوحنا بولس ولم يتم البت فيها، إلا أن المشكلة بدأت تتعقد بعد ظهور مزيد من الشكاوى. وزادت الأمور تعقيدا عقب إنتشار ما يسمى بـ"تسريبات الفاتيكان" والتي أدت إلى إدانة كبير خدمه باولو جابرييلي.
شعر البابا أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا خاصة في ظل كبر سنه واعتلال صحته، فقرر أن يتخذ قرارا لعله هو الأجرأ والأشجع في تاريخ البابوات منذ قرون وهو الاعتراف بعدم القدرة على مزاولة المهام البابوية، والاستقالة، وهو ما تتيحه قوانين الكنيسة الكاثوليكية إلا أن هذا الإجراء لمن يكن متعارفا عليه.
فيلسوف الكنيسة الكاثوليكية
كان بنديكت السادس عشر مشغولا بالعديد من القضايا الإنسانية وعلى رأسها قضايا اللاجئين، فكتب العديد من المقالات عن ضرورة احتضانهم، كما شجب موقف تركيا من عدم الاعتراف بالمذابح الأرمينية، بالإضافة لموقفه الرافض لامتلاك الأسلحة النووية لأي من بلدان العالم.
كان أكثر المدافعين عن حقوق مسيحيي الشرق الأوسط، ودائما ما كان يطالب الحكومات بالتصدي للإرهاب والمخاطر الموجهة ضدهم، وهو الأمر الذي اعتبره الأزهر الشريف تدخلا في السياسات الداخلية فقرر إيقاف الحوار مع الفاتيكان، خاصة وأن بنديكت قد صدر عنه تسريبات في إحدى المحاضرات وهو ينتقد الدين الإسلامي.
ورغم كونه أحد أهم المشاركين بالمجمع الفاتيكاني الثاني إلا أنه كان محسوبا على الاتجاه المحافظ بالكنيسة، وخاصة تجاه قضايا الإجهاض وكهنوت المرأة، ورغم دعوته لإحتواء المثليين وعدم ملاحقتهم أمنيا إلا أنه أعلن عن إدانة التعاليم المسيحية للممارسة الجنسية المثلية أو أي علاقة خارج إطار الزواج.
الجد الأكبر
ورغم تقاعده عن الخدمة الكنسية تماما وتصريحه الأخيرة بأنه لو كان بقدرته حتى كتابة المزيد من الكتب لكان قد استمر في مهام البابوية، إلا أن البابا فرانسيس الأول في عظته يوم 16 أبريل قام بتهنئة سلفه الذي لا يزال على قيد الحياة بعيد ميلاده الـ88، قائلا إن وجود "بنديكت" على قيد الحياة أشبه بوجود جد كبير وحكيم بالمنزل وسط الأسرة يرشدها ويطمئنها.