التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:34 ص , بتوقيت القاهرة

ذكرهم ولا مانع أن تنكد عليهم

الذكرى المئوية لمذابح الأرمن في الرابع والعشرين من نيسان فقد مر مئة عام منذ عام 1915، الأرمن حقيقةً موجودين من قبل الميلاد وأرمينيا أول دولة اعتنقت المسيحية في العالم، وأول ترجمة للإنجيل كانت للغة الأرمينية، وكانت أرمينا قديمًا تحُدها أكبر دولتين الإمبراطورية الفارسية شرقًا والإمبراطورية الرومانية غربًا، ومنذ الأزل وكل إمبراطورية تحاول ضم أرمينيا إليها، ومر عليها الحكم الإسلامي أيضًا من الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية، وتحسّنت أوضاع الملة الأرمينية الأرثوذكسية خلال القرن التاسع عشر، فأصبحت أكثر طوائف الدولة العثمانية تنظيمًا وثراءًا وتعليمًا.


كان الأرمن في الإمبراطورية العثمانية خاضعين في كثير من الأحيان إلى جيرانهم الأتراك والأكراد الذين أرهقوهم بالضرائب، بل وفي أحيان كثيرة كان هناك حالات اختطاف وتهديد وسرقة وفي بعض الأحيان كانوا يرغمونهم على اعتناق الإسلام، وفي حال الرفض يتم القضاء عليهم مع نوع من التجاهل وعدم التدخل لهذه الحالات من قبل الحكومة المركزية أو السلطات المحلية في الولاية.


خلال الحرب العالمية الأولى تعرّض الأرمن إلى مجازر أهمها المجازر الحميدية ومجزرة أضنة وراح ضحيتهما ما بين500 ألف إلى ثلاثة ملايين أرمني، في الرابع والعشرين من نيسان / إبريل من عام 1915 تم اعتقال أعيان الأرمن في إسطنبول، ثم بعد ذلك طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم وأجبرهم على المسير لمئات الأميال في الصحراء وحرمانهم من الماء والغذاء بقصد هلاكهم ووفاة المبعدين. وتمت مجازر عشوائية وقُتل العديد منهم بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب النساء كنية فعلية لإبادة عرقية، فاليوم أغلبية مجتمعات الشتات الأرمني نتيجة الإبادة الجماعية، الشتات الأرمني وهو تقريبًا 8 ملايين نسمة انتشر في أنحاء العالم في روسيا وفرنسا وإيران والولايات المتحدة وچورچيا وسوريا ولبنان واليونان وقبرص وفلسطين وبولندا وأوكرانيا ومصر.


الأرمن في مصر :


على الرغم من أن عددهم في مصر في تناقص، إلا أن للأرمن تاريخ طويل في مصر، بدأت هجرة الأرمن لمصر في بدايات القرن التاسع عشر، إلا أن كان لهم وجود في مصر من قبل في العصر الفاطمي والمملوكي وعصر محمد علي باشا، لكن مذابح الأرمن سنة 1915 كانت علامة فارقة في تاريخ الجالية الأرمينية في مصر، التي تلقت أعدادا كبيرة من اللاجئين من المذابح العرقية، فزادت أعدادهم حتى وصلت ذروتها عام 1927 إلى 17.188 نسمة يتركز أغلبهم في القاهرة و الإسكندرية.


في عام 1952 وبعد ثورة يوليو زاد التوجه الاشتراكي للنخبة الحاكمة وبعد 1956 قاموا بتشريع حزمة من القوانين الاشتراكية وتأميم المؤسسات الخاصة ونزع الملكيات، وكان الأرمن في ذلك الوقت يعملون في القطاع الخاص ويملكون أعمالهم ومؤسساتهم التجارية ويحتكرون حرفًا وأنشطة تجارية معينة بالذات في صناعة الذهب و الألماس، فكان تأثير السياسات المستجدة عليهم كبيرًا، وآثر كثير منهم الهجرة إلى الغرب مما أدى إلى تناقص أعداد الأرمن في مصر منذ ذلك الوقت.


تواجد غالبية الأرمن في الأماكن المكتظة في قلب العاصمة بالقرب من كنائسهم ومدارسهم ونواديهم وأسواقهم فاعتبرت منطقتا "بين السورين" و "درب الجنينة" منطقتين أرمينيتين في النصف الأول من القرن العشرين وفي مدينة الإسكندرية كانوا يتركزون في شارع أبو الدرداء في قسم اللبان، أما النصف الثاني من القرن بدأ الأرمن ينتقلون للسكن في ضواحي مدينة القاهرة مثل هليوبليس والنزهة والمعادي وحلوان وتعتبر هليوبليس حاليًا مكان تمركز أغلب الأرمن في القاهرة.


معظم الأرمن المصريين المقيمين في مصر حاليًا مولودون فيها ومواطنون مصريون، فأرمينيا بالنسبة لهم ليست سوى تراث فلكلوري وممارسات ثقافية يسلمها كل جيل للجيل الذي يليه، ولكن يعيشون في مصر كمصريين ويزورون أرمينيا كأجانب، حاليًا جالية الأرمن في مصر صغيرة يبلغ عددها حوالي 5000 شخص تقريبًا تعيش في القاهرة ة الإسكندرية، وكان عددهم قبل عام 1952،  80 ألف نسمة، وعلى غير الجاليات الأرمينية في سوريا ولبنان، فإن الأرمن المصريين لا ينخرطون في السياسة.


من مشاهير الأرمن المصريين نوبار باشا وكان سياسيا وأول رئيس للوزراء، بوغوس باشا نوبار وكان رجل أعمال معروف، طغوس بيه يوسفيان وكان وزيرا، إلكسندر صاروخان وهو رسام كاريكاتير، أوهان هاجوب جستنيان صانع كاميرات وأدوات تصوير، الممثلة فيروز ( آرتين كالفايان)، الممثلة لبلبة (نونيا كوبليان)، الممثلة الاستعراضية نيللي، المطربة أنوشكا.


من المحتمل أن أرمينيا هي البلد الوحيد في العالم عدد أعضاء المهجر الأرميني يزيد على عدد الناس المقيمين في أرمينيا، حيث يبلغ عدد سكان أرمينيا 3 ملايين، ولكن يعيش خارجها سبعة ملايين أرمني، لكن الثابت والأساس أن ما قامت به الدولة العثمانية تجاه طائفة الأرمن من إبادة عرقية سيظل عالقًا مادام التاريخ مستمرًا، ولأن الأحداث تتغير والأيام دول فلا مانع أن تذكرهم وتنكد عليهم أيضًا، كان شيئا مهما جدًا من مصر اعترافها بمذابح الأرمن العام الماضي وتقريبًا سبقتها في ذلك فرنسا. 


المصدر : آزتاك العربي للشؤون الأرمينية