التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:05 م , بتوقيت القاهرة

يجب أن نخاطب بعضنا البعض قبل أن نخاطب الغرب

نقاشات فكرية طويلة تدور حول الوضع العربي وغياب احترام الغرب لنا ولقضايانا. ويقوم البعض بالتنظير لسبب هذه الفجوة وما هي الطرق الأمثل لردم الهوة الكبيرة التي تفصلنا عن أصحاب القرارات في العواصم الغربية. وقد تكون اتفاقية الإطار الأخيرة التي وقعتها خمس دول كبيرة مع إيران مثالاً على ما تستطيع دولة ضعيفة نوعًا ما لتحقيقه من خلال رؤية واضحة واستراتيجية محكمة وتنفيذ دقيق.


وبمدى إعجاب البعض بنجاح إيران في انتزاع اتفاقية تلبي هدفها بامتلاك القدرة النووية رغم معارضة شديدة من العالم الغربي وإسرائيل إلا أننا نفشل المرة تلو الأخرى بتحقيق أمور أقل أهمية بكثير في حوارنا مع الغرب، والذي يبدو أنه حوار من جانب واحد- الجانب الآخر طبعًا.


من المؤكد أن الدول تتعامل مع بعض ضمن رؤيتها لمصالحها وفي الدرجة المتأخرة قيمها المشتركة. وبما أن للدول الغربية مصالح كثيرة في منطقتنا ابتداء من النفط ومرورًا بموقعنا الاستراتيجي كرابط بين الشرق والغرب، إلا أننا نفشل وباستمرار من قطف ثمار موقعنا الاستراتيجي ومواردنا النفطية وغيرها من المصالح، التي يمكن أن نوفرها للغرب لكي يحترمنا بدلا من الإهانة المستمرة لنا.


يقول البعض إن سبب تقهقرنا في خلق علاقة ندية مع الغرب هو وجود دولة الغرب المدللة إسرائيل في منطقتنا، ورغبة الغرب بمشاركة الدولة العبرية في كل سياساتها الخارجية ولأسباب داخلية مرتبطة بأمور عديدة منها "لوبيات الضغط" ومنها الإرث الديني اليهودي المسيحي وغيرها من الأسباب.


إلا أن سببًا واحدًا لا يتم التطرق له كثيرًا هو غياب طرق الاتصال والمخاطبة مع العرب بأسلوب مقنع وناجع، بعيدًا عن تسييس كل أمر ووضع ضوابط أيدولوجية تفقد أي مخاطبة من قدرتها على وصول الهدف المرجو.


ضعف أو حتى غياب الخطاب العربي الموجه للغرب لا علاقة له بالأمور التقنية أو حتى اللغوية. من الممكن أن نخلق عشرات الصحف والإذاعات ومحطات التلفزة الناطقة بكافة اللغات الموجودة في دول الغرب، ولكننا نفشل في مخاطبة الغرب. فالموضوع ليس مرتبطًا بوسائل إعلام أو بتوفر ناطقين بلغات أجنبية؛ ما ينقصنا هو فكر متحضر إنساني يستطيع أن ينقل بأمانة وإخلاص ومهنية عالية آمالنا وجراحنا وتطلعاتنا. ولكن حتى نستطيع أن ننقل فكرًا متنورًا ومتحضرًا نحتاج إلى مراجعة حقيقية وأمينة لكل مكونات فكرنا وثقافتنا وأعرافنا وتقاليدنا.


وجود فكر متحضر نتمتع به ونستطيع نقله للآخر لا يعني التنازل عن مبادئنا وحضارتنا وثقافتنا، بل يتطلب تطويرها عاموديًا وأفقيًا بحيث تشكل إطارًا منتجًا يتفاعل مع العالم من منطلق الندية والاحترام وليس من منطلق المعرفة المطلقة والتكبر على الآخر ونحن في أسوأ فتراتنا. الاعتراف بضعفنا ونقد الذات من أهم الأسس التي من الضروري توفرها لتشكل العامود الفقري لاستراتيجية جديدة يكون الإنسان العربي بنسائه ورجاله بشيوخه وشبابه بمواليه ومعارضيه المكونات الأساسية لمجتمع صحي واثق من نفسه ومستقبله.


تطور فكرنا وانعكاس ذلك ضمن استراتيجية محكمة يتطلب جرعة قوية ومُرّة من الاعتراف بموقعنا المتخلف ومصائبنا التي طالما أخفيناها تحت السجادة. كما يعني أي تطور جاد وحقيقي تغييرًا جذريًا لأولوياتنا بحيث يعود المواطن ليلعب الدور الأساس في بناء مجتمع متحضر ومتقدم.


أنسنة فكرنا وثقافتنا وإعلامنا سيخرجنا من واقع لا إنسانيتنا وتحول مآسينا ومصائبنا إلى مجرد أرقام تتناقلها وسائل الإعلام وهي تتسارع في تغطية أخبارنا الساخنة من سوريا إلى ليبيا ومن العراق إلى اليمن. فالاعتقالات تنعكس بأرقام، وإطلاق الرصاص على المظاهرات يترجم إلى عدد قتلى، وبراميل الموت تحصد العشرات، والعمليات الانتحارية وغيرها تنتج الموتى والجرحى وكل ذلك يتم نقله من خلال أرقام لا حياة لها.


لن نستطيع أن نخاطب الغرب عن آلامنا وآمالنا قبل أن نواجه من يحاول أن ينزع عنا إنسانيتنا ومن حوّل حياتنا وأحلامنا إلى أرقام يتم تسجيلها في نشرات الأخبار العاجلة وسرعان ما يتم نسيانها مع انشغالنا بخبر أكثر حداثة من بلد أو مخيم احتل مؤخرًا من هذا التنظيم أو تلك الجماعة.


نعم نحن بحاجة إلى خطاب جديد ولكن قبل أن نتوجه لمخاطبة الغرب نحن بحاجة إلى قلب الموازين، والتحدث بصراحة وإنسانية إلى بعضنا البعض لعل وعسى نستطيع الخروج من إحباطنا إلى بدايات تشكيل خطاب يحترم الإنسان ويقدره ليس كرقم عابر ولكن كمصدر أساسي لكل المجتمع والوطن الذي ننتمي إليه.