في ذكرى القيامة
يحتفل المسيحيون في مشارق الأرض ومغاربها في هذه الأيام بذكرى قيامة السيد المسيح من الموت، ومن يتأمل في حياة السيد المسيح وتعاليمه وموته وقيامته، يدرك أنه كان شخصًا ثوريًا في كل حياته، فهو ثار على الظلم والفساد، وثار على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان باسم الدين، وثار ثورة عارمة على العبادة الشكلية والتدين المزيف، ودعا السيد المسيح إلى حياة الحرية من قيود الجهل والتعصب والمرض؛ ولأجل هذا قاومه الأعداء ورجال الدين الأصوليين المتزمتين فصلبوه وقتلوه.
لقد مات السيد المسيح ولم يكن من المنطقي أن يستمر مائِتًا وهو الذي قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة، فهل يمكن لقبضة الموت أن تمسك بمن قال عن نفسه أنا هو الحياة؟! وهل يمكن لظلمة القبر أن تحجب من قال عن نفسه أنا هو نور العالم؟! لقد قام المسيح وبقيامته انتصر الحق على الباطل، والخير على الشر، والحب على الكراهية، والسلام على الخصام.
وقيامة السيد المسيح هي دعوة للتحرير، فهو الذي قال (إن حرركم المسيح فبالحقيقة تكونون أحرارًا)، إنه جاء ليحرر الإنسان من خطاياه ومن تعصبه وجهله وعنصريته وكراهيته ورفضه لأخيه في الإنسانية، وإذا كانت قيامة المسيح لتحريرنا وخلاصنا من الشرور والخطايا والآثام؛ لذا فليس من المنطقي أن يحتفل الكثيرون بقيامته وهم لا يزالون موتى في قبور الخطايا والآثام، إن القيامة تتطلب توبة حقيقية وتقوى غير مظهرية.
وقيامة السيد المسيح هي دعوة لنا لأن ننهض من قبور الكسل والتراخي، لنقوم ونعمل معًا بجد واجتهاد من أجل بناء بلدنا الحبيب مصر، ولعل المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في مصر منذ أسابيع قلائل يكون دافعًا قويًا لشحذ الهمم وتوجيه الطاقات للبناء والاستثمار والتعمير، نتمنى أن تقوم مصر وتنهض من عثرتها وكبوتها وتصبح دولة قويةً ومتحضرةً ومواكبةً لقيم الحداثة والرقي والتقدم، فبدون قيامة من قبور الكسل والتراخي لا يمكن أن تكون مصر "أد الدنيا" كما نتمنى لها أن تكون.
وقيامة السيد المسيح هي دعوة لنا لأن ننهض ونقوم من قبور التعصب والظلامية، فما يحدث في بلادنا وفي منطقتنا العربية من عنف وذبح وإرهاب وإراقة دماء يؤكد أن هناك فريقًا من البشر سيطر التعصب الأعمى على عقولهم وتمكن من قلوبهم، ومن ثم فهم رفضوا كل آخر مغاير لهم سواء في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الجنس، ومن المؤسف أن هذا الفريق الداعي للظلامية توغل في معظم المؤسسات والنقابات المختلفة، ألا يؤكد هذا أننا في حاجة ماسة وملحة إلى تحرير العقول والأذهان من الفكر الظلامي الرجعي المتخلف، فكر البداوة، فكر القرون الوسطى ومحاكم التفتيش!!.
وقيامة السيد المسيح هي دعوة لنا لأن نقوم وننهض من قبور قمع الحريات وتكميم الأفواه، إننا لا زلنا في منطقتنا العربية نرفض الاستماع للرأي الآخر ونرفض الحوار والمناقشة مع من يقولون آراء مخالفة، إن القيامة حرية؛ لذا فإننا نحتاج في مجتمعاتنا لتعزيز حرية الفكر وحرية الرأي والتعبير، إن للأفكار أجنحة تحلق بها، وواهم من يظن أنه يمكنه أن يصادر فكرًا أو يمنع رأيًا أو يقصف قلمًا في عصر السماوات المفتوحة والفضاء النتيّ، لذا فإننا في مسيس الحاجة لقيامة حقيقية من قبور قمع الحريات وتكميم الأفواه.
وقيامة السيد المسيح هي دعوة لنا لأن نقوم وننهض من قبور الخرافات والخزعبلات، فلا يختلف اثنان على أن الفكر الخرافي أحكم سيطرته على عدد غير قليل من المصريين، ومن ثم انتشرت بكثرة فضائيات تفسير الأحلام، وفضائيات تغييب العقل، الأمر الذي أدى إلى زيادة رقعة الدجل والشعوذة، لقد غاب المنهج العلمي في التفكير عند الكثيرين باستثناء أقلية قليلة، ألسنا في حاجة إلى قيامة؟! ألسنا في حاجة لأن نتحرر من عقلية الدجل وذهنية الخرافة في عصر أصبح فيه العالم المتقدم لا يرتكن في تقدمه إلا على الأساليب العلمية والتكنولوجية؟!
إن نهضة مصر تتطلب أن يتكاتف مثقفو مصر ومفكروها وعلماؤها ليقوموا بعملهم على أكمل وجه، وهذه النهضة قد تستغقرق سنوات طوال، وهنا لا مجال للتباطؤ أو التسويف، فالوقت منذ الآن مقصر، ولا يجوز أبدًا أن يقف العلماء والمثقفون موقف المتفرج أو المحايد، فالعقل المصري اليوم أصبح في أمس ما يكون إلى قيامة ونهضة وصحوة من أي وقت مضى.
إننا كأفراد نحتاج لصحوة وقيامة
ومصر تحتاج لصحوة وقيامة
ومنطقتنا العربية تحتاج لصحوة وقيامة
فهل من يلبي النداء
وكل عام وجميعكم بكل خير