التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 04:39 م , بتوقيت القاهرة

هل تدخل مصر حربا برية في اليمن؟

ثمة شواهد تشير إلى اقتراب التحالف العشري بقيادة المملكة العربية السعودية من التدخل بقوات برية في اليمن، أبرزها التصعيد المتبادل بين قيادة عمليات عاصفة الحزم من ناحية، والحوثيين وحلفائهم من ناحية أخرى. الأمر الذي يفتح الباب أمام التكهنات حول انخراط مصر في حرب برية باليمن حال نشوبها.

ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه، حيث أعطى اجتماع الرئيس السيسي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتنويه عن اجتماعات أخرى للرئيس بمجلسي الدفاع الوطني والوزراء إشارة واضحة على ما يبدو استعدادات للدخول بقوات برية في اليمن، فهذه هي الإجراءات الدستورية اللازمة للموافقة على إرسال قوات خارج الحدود كما ينص دستور 2014، فضلا عن اجتماع رئيس أركان الجيش المصري بنظرائه في جيوش التحالف العشري قبل يومين في العاصمة السعودية الرياض.

معظم التحليلات حاولت إثبات أن عاصفة الحزم مجرد حلقة في مسلسل المناوشات بين طهران وواشنطن، عن طريق استعراض إيران لما تمتلكه من أوراق ضغط في المنطقة من العراق وسوريا إلى فلسطين ولبنان ثم في البحرين إلى اليمن، وفي المقابل تلويح أمريكا بقدرتها على إشعال الحروب في المنطقة عبر وكلاء مثل ما حدث في اليمن مؤخرا، ليبرز السؤال الذي ربما يدور في رؤوس غالبية المصريين: لماذا تتورط مصر في حرب قد تتطور إلى التدخل البري في الأيام المقبلة، في الوقت الذي تصارع فيه الدولة ظروفا داخلية اقتصادية وأمنية خانقة؟.

وللإجابة عن هذا التساؤل يلزمنا هنا التأكيد على أن التفاعلات السياسية الدولية دائما ما تكون متعددة الأوجه والدوافع والأبعاد، ولا يقتصر تحليلها على جانب واحد فقط حتى وإن كان سليما، وبالتالي فإن إغفال باقي الجوانب سيؤدي حتما إلى تكوين صورة غير كاملة. ومن هنا يمكن إرجاع مشاركة مصر في التحالف العشري وإعلان استعدادها للتدخل بقوات برية في اليمن إلى عدة اعتبارات.

الاعتبار الأول والبديهي يتعلق بأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، البوابة الجنوبية لقناة السويس التي تريد مصر زيادة معدلات العبور فيها لا تناقصها، خصوصا مع إنشاء قناة جديدة تكلفت المليارات بهدف جذب المزيد من السفن العملاقة التي تراعي عامل الأمن بالأساس في خطوط ملاحتها. فقناة السويس أحد أهم موارد الدخل القومي المصري، وتراجع إيراداتها سيزيد من معاناة الاقتصاد المصري ككل.

وعلى الرغم من أن هناك رأيا يقول إن القوى الدولية لن تسمح بتهديد خطوط التجارة العالمية استنادا إلى المعاهدات الدولية المتعلقة بأمن المضايق البحرية، وهو اقتراب صحيح، لكن ما كان لمصر أن تترك اليمن الذي يطل على بوابتها الجنوبية، ساحة للصراع بين الفاعلين الدوليين دون أن تعلن عن حضورها القيادي وأن لا شيء يحدث في هذه المنطقة دون موافقتها ورضاها.

الاعتبار الثاني يتعلق بالصراع المستعر على قيادة الإقليم، ولا يمكن لمصر أن تأخذ موقف المتفرج في وقت يعاد فيه تشكيل المنطقة، أمام إيران التي تريد بسط نفوذها على مزيد الدول العربية لحماية نفسها كدولة ثيوقراطية طائفية في محيط سني، ونقل مناوراتها مع الغرب إلى ملاعب عربية دون تهديد مباشر لها، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجريات المفاوضات النووية الإيرانية في مدينة لوزان السويسرية مع مجموعة (5+1)، حيث احتلت الأزمة اليمنية موقعا متقدما على طاولة المفاوضات.

كما لا يمكن لمصر أن تكرر بغيابها عن اليمن سيناريو العراق التي وضعت فيه إيران قدما راسخة، وأصبحت صاحبة القرار في بغداد إلى جانب ثلاث عواصم عربية أخرى بحسب تصريح مستشار الرئيس الإيراني. لذا لا يجب تركها لتضع قدمها الثانية في اليمن. إذن فإن تلويح مصر باستعدادها للتدخل بريا في اليمن يأتي من كونها صاحبة مصلحة في مجابهة تهديدات الحوثيين والتوسع الإيراني، بدرجة قد تساوي مصلحة السعودية الجار المباشر، وليس فقط "رد جميل" للدعم النقدي الخليجي لمصر طوال الفترة الماضية.

الوجود الإيراني في اليمن يضع الثقل السياسي المصري على المحك، ليس بالضرورة أن يعاد سيناريو حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي على الرغم من أهميته في هذا التوقيت، فثمة ظرف سياسي مغاير. المفارقة هنا أن الأصوات التي تطالب بعودة مصر إلى موقعها القيادي في قلب أمتها العربية هي نفسها التي تستنكر انخراط الجيش المصري في حرب أخرى باليمن.

الاعتبار الثالث والأهم في اعتقادي يتعلق بالعلاقات المصرية الخليجية ومدى تضررها. واحتمال فقدان مصر لحلفائها الاستراتيجيين في الخليج إن هي خذلتهم في اليمن. 

بعد ثورات الربيع العربي وانعكاساتها على العديد من الدول العربية، وتعاظم الدور الإيراني في العراق وسوريا، وتصاعد خطر التنظيمات الإرهابية، شعرت الأنظمة الخليجية بالخوف من أن يصيبها ما أصاب بعض دول المنطقة، فكان لا بد لها من البحث عن حليف إقليمي يقف في ظهرها متى تعرضت لتهديد في ظل تباين الرؤى بين القوى الإقليمية والدولية حول العديد من القضايا في المنطقة.

من هنا، سخرت دول الخليج كل إمكانياتها سياسيا وماليا لمساعدة مصر على عبور أزماتها السياسية والاقتصادية بعد إزاحة الإخوان عن الحكم، لأن من مصلحتها بقاء مصر قوية قادرة على التصدي للأخطار التي تواجه المنطقة، فأصبح الخليج عمقا مرحليا للقاهرة، وأصبحت القاهرة سندا حقيقيا للخليج.

اعتمدت مصر في فترات التعثر الاقتصادي والأزمات المالية الخانقة التي تمر بها نظرا لانهيار الأمن، وتدهور السياحة بعد 30 يونيه على التدفقات المالية الخليجية، بل إن معظم الخطط التنموية التي وضعتها الحكومة وآخرها كانت مشروعات المؤتمر الاقتصادي تعتمد بالأساس على حزم المساعدات والاستثمارات الخليجية، وبالتالي فإن أي ضرر يصيب العلاقات المصرية الخليجية في الفترة الحالية من شأنه أن يعرقل إتمام هذه المشروعات.

الدول الخليجية لم تقف إلى جانب مصر ودعمتها سياسيا واقتصاديا، واستقطعت من أموال شعوبها لمساعدتها عشقا في سواد عيون المصريين وفقط، لكن لأنها تنظر لمصر باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على التصدي للمخاطر المحدقة بالإقليم.

في المقابل، لم تؤكد القيادة المصرية على دعمها الكامل لدول الخليج واستعدادها للدفاع عن أمنها بعبارة "مسافة السكة" الشهيرة من باب رد الجميل وفقط، لكن باعتبار أن الخليج يمثل الآن عمقا استراتيجيا لمصر في ظل فترة التوترات التي تشهدها العلاقات الدولية، وبالتالي فإن أي ضرر يصيب هذه العلاقات ليس في مصلحة الطرفين.

تخلي مصر عن الخليج في معركته باليمن من شأنه أن يصيب العلاقات بالفتور وربما لجوء دول الخليج للبحث عن حليف آخر قادر على حمايتها.

أخيرا، إذا أردت أن تكون كبيرا يجب أن تكون قادرا على دفع الثمن.. فالنفوذ ليس مجانيا.

للتواصل مع الكاتب