من إثيوبيا لإيران.. التفاوض هو الحل
هناك العديد من أوجه التشابه بين مشكلة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، ومشكلة مفاعل بوشهر (البرنامج النووي) بين إيران والولايات المتحدة. ويمكن طرح هذا التشابه فيما يلي:
ماهي طبيعة المشكلة؟
كلا المشكلتين هي مشكلة أمر واقع موجود على الأرض لا يُمكن تجاهله أو إنكاره. في حالة إثيوبيا فإنّ سد النهضة أصبح الآن أمرا واقعا وليس مجرد فكرة أو تصميمات هندسية على الورق. فقد استغلت إثيوبيا حالة الفوضى التى مرت بها مصر بعد 25 يناير 2011 وبدأت في بناء السد. وعندما تولى الرئيس السيسي حكم البلاد كانت أثيوبيا قد انتهت من بناء ما يقرب من 30% من هيكل السد، أي أصبح أمرا واقعا.
في الحالة الإيرانية، فإن برنامجها النووي بدأ منذ عدة سنوات، بدأته الولايات المتحدة ثم ألمانيا، ولكن استكملته روسيا بعد قيام الثورة الإسلامية. وافتتتح مفاعل بوشهر في سبتمبر 2011، وتضاعف عدد أجهزة الطرد المركزي (اللازمة لتخصيب اليورانيوم) التي تملكها إيران، أي هناك أيضًا أمرا واقعا على الأرض.
ماهي خيارات التعامل مع المشكلة؟
في الحالتين تم طرح الخيار العسكري وخيار العقوبات الاقتصادية للتعامل مع المشكلة.
بالنسبة لسد النهضة اقترح البعض استخدام القوة العسكرية لتدمير السد. ولكن هذا الخيار لن يقبل به المجتمع الدولي في الظروف الحالية، وقد يستغل البعض ذلك ويسعى لفرض عقوبات على مصر لو استخدمت الخيار العسكري في إثيوبيا.يضاف لذلك أن تدمير السد قد يؤدي إلى فيضانات وتدفق كميات ضخمة من المياه قد تغرق مساحات واسعة من الأراضي السودانية.
أما بالنسبة للأداة الاقتصادية فقد سعت مصر لإقناع الدول الكبرى والمؤسسات الاقتصادية الدولية بعدم تمويل بناء السد، ولكن الاستجابة لم تكن شاملة، واستمرت إثيوبيا في البناء، وبدأت في الاعتماد على تمويل محلي من خلال سندات يقوم بشرائها المواطنون.
فى الحالة الإيرانية، فقد اقترح الكثيرون أيضا استخدام القوة العسكرية لتدمير مفاعلاتها النووية، ولكن هذا الخيار يعني حربا جديدة في الشرق الأوسط وموجة أخرى من عدم الاستقرار. والولايات المتحدة لاترغب في التورط في حرب جديدة في المنطقة بعد تجربتها المريرة في العراق. كما لايوجد ما يمنع قيام إيران باستئناف برنامجها النووي بعد العمل العسكري وبشكل أكثر استفزازا وعدوانية.
الخيار الثاني كان استخدام العقوبات الاقتصادية، وقد استخدمت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي هذه الأداة لعدة سنوات دون أن تحقق الهدف المتعلق بإيقاف البرنامج النووي، بل قامت إيران بتوسيع هذا البرنامج. ففي بداية عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن كان عدد ما تملكه إيران من أجهزة الطرد المركزي يعد بالعشرات، ولكنّه تحول إلى المئات بنهاية عهده والآن يعد بالآلاف، وكما أشار الرئيس الأمريكي أوباما فإنّ العقوبات ساعدت في أن تأتي إيران لطاولة المفاوضات، ولكنّها لم تحد من برنامجها النووي.
أي أن الخيارين العسكري والاقتصادي ليسا ملائمين للتعامل مع مشكلة سد النهضة والبرنامج النووي الإيراني.
ماهو الحل الواقعي للمشكلة؟
السياسة هي فن الممكن. والتفاوض هو أداة التوصل لهذا الممكن. التفاوض بشأن سد النهضة والبرنامج النووي الإيراني هو الوسيلة الواقعية للتعامل مع هاتين المشكلتين، وتحويل الصراع من مباراة صفرية zero sum game، حيث مكسب أحد الطرفين فيها هو خسارة للطرف الآخر، إلى مباراة ايجابية positive sum game يمكن أن يكسب فيها الطرفان من خلال التعاون والبحث عن مساحة المصالح المشتركة بينهما.
التفاوض لا يعني الاستسلام، ولا يعني التخلي عن أدوات السياسة الخارجية الأخرى ومنها الأداة العسكرية والاقتصادية. ولكن لا يجب أن تلجأ للقوة العسكرية إذا استطعت أن تحقق أهدافك من خلال التفاوض والسياسة.
اقرأ أيضا