التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:51 ص , بتوقيت القاهرة

حرروا الشيعة العرب

لم يسبق أن انحدر أمين عام حزب الله حسن نصرالله إلى درك الشتيمة، كما في خطابه الأخير عن اليمن. لطالما كان الرجل صاحب حُجة، بصرف النظر عن الاجتزاء في تقديم المعطيات المسوغة لموقفه، أو حتى دقة المعطيات نفسها.


وهو صاحب كاريزما، وإن خسر الكثير منها، لطالما فاقمت من "صحة" ما يقول أو "دقة" ما يذهب إليه، ما جعل خطاب يوم الجمعة الفائت علامة فارقة بشدة عن عموم سيرته الخطابية.


لم ينفِ نصرالله حقيقة النفوذ الإيراني في المنطقة، وإن حاول ذلك بارتباك في مستهل خطابه. بل راح يُفند أسانيد هذا النفوذ وأسبابه، وبين طيات التبرير والتفسير بدا منحازا لهذا النفوذ محاولاً إقناع مستمعيه بحسناته وجدواه. 


ولأن نصر الله حاذر تقديم الأسباب الحقيقية للنفوذ الإيراني، وصلته بسلوك الدول وحسابات أمنها القومي ومطامحها الاستراتيجية، جعل من هذا النفوذ الثمرة المنطقية لأداء العرب، وكأنّه مجرد انسياب طبيعي لمجرى الأمور بلا أي إرادة أو مشروع أو نية إيرانية مسبقة. وهنا سقط في فخ الشتم.    


 فالعرب "تنابل وكسالى وفاشلون"! قالها بغضب وبحدة. وهو ما أدى برأيه إلى أن تتربع إيران على مفارش النفوذ هنا وهناك في العالم العربي. 


الحقيقة، وبصرف النظر عن التعابير، ثمة ما هو صحيح في توصيف نصر الله. كتبت نخب عربية خليجية وغير خليجية  كثيرًا عن الواقع الاستراتيجي العربي واختلال موازينه لصالح طهران. ومن بين هذه النخب تقييم شجاع لعميد وزراء الخارجية العرب الأمير سعود الفيصل في القمة العربية في سرت، تحدث فيه عن الفراغ الاستراتيجي العربي. 


وكتب الكثير حثًا على بلورة مشروع عربي أو رؤية أو استراتيجية أو حتى رشاقة سياسية عربية تعيد التوازن إلى المنطقة في مواجهة جموح طهران! غير أن الفارق بين ما ذهب إليه نصرالله وما ذهبت إليه هذه النخب يكمن في أن رجل طهران في لبنان بدا مستاءً من صحوة  "التنابل والكسالى والفاشلين"، في حين أن النخب العربية كانت تحتفل بما نرجو أن يكون صحوة عربية باتت شديدة الإلحاح. 


ما يحرك مواقف نصرالله وعواطفه وانفعالاته هو قياس الأمور من زاوية مصلحة إيران وليس مصلحة العرب. فهو بدا قلقاً على إيران من صحوة "التنابل" العرب بدلا من أن يفرح للعرب الذين استفاقوا على ضرورة تحقيق التوازن مع إيران. 


أولوية رجل إيران إيرانية وليست عربية. فضحته في ذلك شهيته لإهانة العرب، الذين هم في تحالف "عاصفة الحزم" يمثلون الأغلبية الشرعية العربية وليس المملكة العربية السعودية وحدها. 


فإلى جانب وصفهم "بالتنابل والكسالى والفاشلين" استعار في وجههم فوقية فارسية إيرانية من زمن الشاه حين خاطبهم بالقول "... بل سيدكم شاه إيران"! بجملة واحدة وضع جل إيرانيته على الطاولة متجاوزا انتمائه إلى الثورة على الشاه. 


خطورة كلام نصرالله ليست في سقفه المرتفع، الذي جاء هذه المرة لتغطية الذهول المتأتي عن عاصفة الحزم والعجز في الرد عليها، لا سيما أنها جاءت مقرونة بما أشرنا إلى قدومه من انتكاسات في تكريت وجنوب سوريا. خطورة الكلام يكمن في صدوره عن شخصية شيعية لا شك في صفتها التمثيلية عند الشيعة، بما يُحمِّل هؤلاء وزر موقفه ويحولهم في أغلبيتهم إلى جاليات إيرانية تقيم في دول عربية. 


فكلام نصرالله ينطلق من أولويات إيرانية صرفة ويعبر بمضمونه وشكله عن مصالح إيرانية خالصة، ليست بالضرورة هي مصالح الشيعة العرب، وهي ليست مصالحهم بالتأكيد. وبالتالي فإن ما يستدعيه كلام نصرالله هو إعادة الاعتبار إلى الضرورة الملحة لبلورة مشروع شيعي عربي يعيد الوصل بين الشيعة العرب ومصلحة دولهم ومجتمعاتهم أولاً وتأطير مساهمتهم في إغناء التعدد في إطار حماية وسلامة الدولة الوطنية التي يعيشون فيها. 


الأمانة توجب القول إن هذا الأمر ليس مسؤولية شيعية صرفة ولا تقوم له قائمة بمعزل عن الدور المركزي للحكومات في الخليج وخارجه في تحصين فكرة المواطنة والحقوق خارج القيد المذهبي. 


عاصفة الحزم، تُستكمل بعاصفة حزم سياسية ومجتمعية لتحرير الشيعة العرب من قبضة طهران. المشروع كبير ويستحق، والمسؤوليات حياله جسام والأخطاء التي ارتكبت بحقه ليست بسيطة.  


 


اقرأ أيضا