التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 06:42 م , بتوقيت القاهرة

صور| شارع الهرم في عيون أصحابه

في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا، وقف صلاح أعلى مطلع النفق الذي يربط ميدان الجيزة بأول شارع الهرم، والذي يحوطه من الجانبين محطة مترو الجيزة، ومسجد نصر الدين، لينتظر وسط الزحام، أي وسيلة مواصلات تنقله لمحل سكنه في شارع حسن محمد.


ورغم أن السماء كانت تمتلئ بالغيوم لتجعل الجو ألطف، إلا أن الضابط المتقاعد ظهرت على ملامحه تقاسيم الضجر، بسبب الزحام الشديد وندرة وسائل المواصلات التي تحتفظ بمكان خالي.


"أنا اتندمت إني سكنت في شارع الهرم ومش شايف فيه أي حاجة حلوة"، قالها صلاح الذي أكد أنه لا يستطيع أن يجد وسيلة مواصلات إذا لم يغادر منزله في السادسة والنصف صباحا، وما عدا ذلك فلا يوجد بالشارع قيد أنملة، حتى تستجيب عدالة السماء وترؤف بشعره الأبيض، ليصتدم بالتكدس المروري عند ملف محطة الطالبية، التي تغلقه سيارات السيرفيس لتتسابق على التحميل مرة أخرى لتواصل رحتلها المجزئة نحور شارع العريش ثم مشعل، إلا أنه عادة ما يقضي ذلك الوقت يفكر في فواتير المياة الباهظة، وأزمة انقطاع الكهرباء، ومشاجراته الدائمة بسبب حرصه على نظافة الشارع.



لم يستمر الحال هكذا، فعلى بعد خطوات قليلة خف التكدس حتى شارع مدرسة أم المؤمنين الثانوية بنات، لتظهر أمامك أسراب الفتايات بزي المدرسة الأحمر القاتم، يتخللهم قليل من الصبيان القريبين منهن سنا أو أكبر منهن ببضع سنين، وهو ما جعل أمنية، طالبة الصف الأول الثانوي النحيلة، والتي التزمت بحجاب الزي المدرسي الأبيض على عكس المعتاد، تختنق من كثرة الزحام، وتسكع الشباب على النواصي الذين يتسببون لها في بعض المضايقات.


إلا أن أمنية تنفي أن يصل الأمر أمام مدرستها إلى التحرش. استأنف "دوت مصر"، رحلته في شارع الهرم، والمعروف بكثرة متاجر الزهور، وأمام مبنى محافظة الجيزة، نزلنا عدة درجات إلى "تيوليب" أقدم محل زهور في الهرم، الذي أصبح يتسم بفراغه الدائم، بحسب قول غريب، بائع الورد.


"الناس مبتشتريش ورد إلا في الفلانتين وعيد الأم"، قالها غريب بأسى، مؤكدا أن الحال كان أفضل قبل ثورة يناير، فكانت أيام الخميس والجمعة والسبت موسم بيع الورد بشارع الهرم بسبب كثرة الأفراح والمناسبات، معربا عن أسفه إن "الحال بقة في النازل"، مبررا ذلك بتبدية السكان أساسيات المعيشة على الزهور.



ورغم الأسى الذي أصاب أحوال الورود، إلا أن المهندسة عزة، ترى أن شارع "ومبي" مازال من أرقى أحياء الهرم، فهي تعمل به منذ عام 1993 ولم تصادف في مرة أن حدثت أي فوضى في الشارع، نافية وجود أي بلطجية أو أي شيء يسئ للمكان، حيث أن مبنى الشرطة العسكرية يحمي المنطقة، إلا إنها ما لبثت أن التفتت لتجد خلفها عدد كبير من "التوك توك" يتصدرون ناصية الشارع، وهو الأمر الذي أصبح عاديا من وجهة نظرها.


وفي سيرفيس أبيض يعتبر أحد معالم المكان، اجتزنا سينيما رادوبيس، ومحطة المساحة وشارع فاطمة رشدي وسنتر العرائس الشهير، لنصل إلى عصب شارع الهرم الأول.. الطالبية، وهي عبارة شارعين متواجهين، أحدها يحتوي على مجمع مدارس والآخر سوق شهير، وعلى شارع الهرم الرئيسي مجموعة من المتاجر المتفاوتة في مستوياتها.


وبجوار مجمع المدارس، وقف وليد، بائع الذرة المشوية منهمكا في عمله، مستنكرا ضجيج المنطقة، متآلفا مع أهلها الذي عاش بينهم منذ أكثر من ثماني سنوات بعد أن غادر بلده سوهاج، مقتنعا أن الطالبية أهم منطقة في شارع الهرم لكونها "شعبية زيادة عن اللزوم، جماهيرية زيادة عن اللزوم، وبها كثيرا من البائعين".


"أكتر حاجة بتضايقنا المظاهرات"، هكذا استنكر وليد بسبب تأثيرها على حركة عملهم، وعلى الرغم من ذلك فهو مازال على قناعة أن الهرم من أرقى المناطق في مصر، نافيا أنه رأى أي محاولة تحرش في الطالبية من قبل، وأن كل ما يشهده هي معاكسات بسيطة هو نفسه يتفوه بها.



وأمام الممر المكون من طابقين، وقفت بسنت التي جائت خصيصا إلى الطالبية بهدف التسوق، لتعرب عن استيائها من ظاهرة أطفال الشوارع، بالإضافة إلى حوادث السرقة، ولكنها نفت كثرة حالات التحرش.


"الكاباريهات متعيبش شارع الهرم في حاجة"، قالتها بسنت، حينما سألنها عن مدى قلقها من زيارتها للشارع بالرغم من شهرته بالملاهي الليلة، مبررة ذلك بأنها لقمة عيش مواطنين، كانوا يمارسون ذلك في وقت سابق بتصاريح رسمية، كما أنهم لا يحتلون الشارع بأكمله.


"الهرم مافيهوش حاجة تتحب"، هاكذا قال مصطفى مدير متجر الأحذية ذات الأسعار الزهيدة، فهو يعاني من انتشار المخدرات والانحدار الأخلاقي بمنطقة الطالبية، وهو ما أثر على حركة التجارة التي تقل من وجهة نظره كل عام عن العام السابق له.


وعبر تاكسي أبيض شهدنا مجمع المراهقين المسمى بـ "كايرو مول"، وشارع ضياء التجاري الشعبي، ومحطة التعاون الهادئة حتى وصلنا إلى ثاني محاور شارع الهرم، وهو "العريش"، ستعرفه من كثرة لافتات المطاعم الشهيرة التي تتصدره، وعلى الرغم من ذلك سيعيقك دخوله بائعين الملابس والتوك توك".



"أكثر حاجة بحبها أكل عيشي وأكتر حاجة بكرهها التوك توك"، هكذا قال محمد، صاحب أحد فراشات الملابس الذي استحوذ على جزء من أحد جوانب الطريق، وعلى الرغم من ذلك أكد أنه لا يتسبب في تعطيل حركة السير في الشارع حتى لا يتأذى من البلدية.


"في بنات بتبقى نازلة تتعاكس.. وفي شباب بيبقى نازل يعاكس.. مافيناش حد معصوم"، هكذا دافع صاحب الفرشة المجاورة حينما سألنا عن كثرة حالات التحرش بالشارع، إلا أنه لم ينكر أن التحرش أحد أسباب خوف الزبائن وهو ما يؤثر على حركة البيع، متنبئا أن شارع العريش سيتحول إلى شارع تجاري فقط خلال عامين، حيث ارتفاع أسعار الوحدات التي تتجاوز الواحدة منها الأربع ملايين جنيه.


غلب الهدوء جولة "دوت مصر"، من شارع العريش مرورا بسهل حمزة والكوم الأخضر وشارع المستشفى، حتى وصلنا إلى محطة المريوطية، والتي تعتبر شريان شارع الهرم قبل الأخير، الذي يتوزع منه دماءه إلى ضواحيه سواء إلى البدرشين وسقارة ودهشور أو المنشية وكرداسة، ومن ثم ينتهي بمحطة مشعل التي تأخذك عبر مطلع إلى هضبة الهرم الأثرية.