التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 07:32 ص , بتوقيت القاهرة

أخيرا.. العين الحمراء للعرب !

راهنوا كثيرا على أننا شعوب الكلام.. ورثنا من الجاهلية سوق عكاظ والمعلقات الشعرية والقوافي والبلاغة.. ونظم الشاعر العربي الكبير الراحل نزار قباني قصيدته المشهورة "يوم أعلنوا وفاة العرب".. وفيها نعانا إلى أنفسنا قبل أن يوارينا التراب أمام العالم كله.. كنا نلوم الملوك والرؤساء لأنهم انصاعوا لأوامر أمريكا.. اتهمناهم أنهم باعوا أنفسهم للشيطان منذ وقع الراحل السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.. قسمنا أنفسنا إلى محورين.. أهل الاعتدال حمائم ودعاة المقاومة صقور.


 تركنا الساحة العربية ملعبا مفتوحا لإيران .. تاجرت بالقضية الفلسطينية وزعمت أنها المدافع الأول عنها .. سخرت لخدمتها نظام الحكم العلوي في دمشق.. جندت ميليشيات حزب الله وحماس التي تحولت من المقاومة إلى قتل الفلسطينيين واللبنانيين والقفز على الحكم.. أطماع طهران التوسعية في الوطن العربي تصاعدت.. بعد أن سيطرت على سوريا ولبنان وفلسطين.. تدخلت في العراق.. وحاولت ضم البحرين إليها.. واخيرا صدرت لنا مشكلة الحوثيين في اليمن. 


المؤامرة هي أن تسيطر على الخليج ويهيمن حلفاؤها بصنعاء على باب المندب منفذ البحر الأحمر للسعودية وقناة السويس المصرية.. محاصرة السعودية ومصر هي الهم الأكبر لحكم الملالي الشيعى.. قلعتا السنة في العالم العربي.. سقوطهما يعني أن الامتداد الشيعي أصبح حتميا.. وبوصول الإخوان للحكم في مصر وتونس وزيارة نجاد للقاهرة وتلويحه بعلامة النصر بعد زيارته لمسجد الإمام الحسين، اقترب الحكم الفارسى من التحقيق.. خصوصا وأن مرسي الرئيس الإخواني لم يكن ليمانع فى إقامة إمارة إسلامية بغزة تتولاها حماس وتشاركنا إدارة قناة السويس وتصدر إرهابها للسعودية والأردن ومصر.. لكن السيسى وثورة 30 يونيو أنقذا مصر والخليج  من مصير لبنان وسوريا والعراق.


 الإيرانيون خسروا رهانهم على الإسلاميين فى مصر وليبيا وتونس ولبنان وغزة.. سقوط الإسلاميين كان في حقيقته فشلا ذريعا للمشروع الإيراني في الوطن العربي.. تصورت طهران أنها أحكمت الحصار البحري على السعودية ومصر بوصول الحوثيين إلى اليمن.. لكنها أخطأت الحكم على العرب إذا ما غضبوا.. التحالف العربي الذي يضم مصر والسعودية وثمانية دول أخرى اختار الضربات الاستباقية لإجهاض أي محاولة للحوثيين لضرب اقتصاد الرياض والقاهرة، فالأولى تصدر 8 .3 مليون برميل بترول يوميا من مضيق باب المندب والثانية تحصل على أكثر من نصف عائداتها بالعملة الصعبة من مرور السفن فى قناة السويس، والتى لو توقفت لانهارت مصر .


 لم يمت العرب يا نزار قباني.. وزراء الخارجية العرب اتخذوا أفضل قرار منذ حرب 1973.. عاصفة الحزم وتشكيل القوة العربية المشتركة قرارين يؤكدان أن الإدارة العربية حاضرة إذا لزم الأمر.


إن التحالف العربى وهو يتحرك بعاصفته ليقتلع عملاء إيران في اليمن يبعث برسالة إلى كافة حلفاء طهران  في الوطن العربي أن يومهم اقترب.. لم يستأذن العرب أحدا للقضاء على أخطر تهديد يواجه استقلالهم وسيادتهم واقتصادهم.. القوات العربية المشتركة لا تجهض  فقط انقلابا إيرانيا ضد سلطة شرعية منتخبة في اليمن، ولكنها تدافع وتؤكد أن لها " عينا حمراء" إذا ما تجرأ أحد على العروبة والقومية.. العملية العسكرية العربية تؤسس لمنظومة أو مرحلة جديدة للحفاظ على أمن الخليج والمنطقة والشرعية.


 خبرة العسكرية المصرية تجلت فى إرسال 3 لنشات صواريخ ومدمرتين إلى خليج عدن للتصدي لأي محاولات فارسية لإمداد الحوثيين بالأسلحة والأموال.. عبقرية التحالف العربي تكمن في أنه جاء تأييدا للشرعية واستعدادا لحرب قد تتسع لصراع إقليمى وإرهاب ممكن أن يشنه حزب الله فى لبنان لتوريط العرب في نزاع آخر.. القمة العربية مدركة لخطورة التهديدات الإيرانية التي أدانت عاصفة الحزم، وحذرت أن دخان النار سيرتد على السعودية.


استطاع العرب بقرار واحد أن يعودوا إلى صدارة المشهد بمصر والسعودية والإمارات وكافة الدول المشاركة.. ولا يخفى على أحد أن الرياض مستاءة جدا من تقدم المحادثات النووية  بين أمريكا وإيران بما تخشى منه على أمنها.. ومصر غير مستعدة لإعادة ترسيم المنطقة إذا ما حدثت انفراجة أمريكية إيرانية، وأعادت واشنطن لطهران الدور الذي كان يلعبه الشاه الراحل رضا بهلوي وهو شرطي الخليج.


القرار العربي يلقي القفاز في وجه إيران.. لا وقت للمهادنة والتفاوض والمصالحة.. إذا كنتم راغبون في التعايش السلمى مع دول المنطقة أسحبوا قواتكم من سوريا ولبنان والعراق واليمن.. لو أصبح اليمن وكيلا لإيران في أهم بلد السعودية، فإن مأساة حزب الله ستتكرر في بلد المقدسات الإسلامية.. القاهرة والرياض ينظران بتوجس شديد لتقدم إيران عسكريا وسياسيا في العراق.


من ثم فأنني لا أستبعد أن يتطور الأمر إلى عمليات بريه فى مرحلة أخرى من عاصفة الحزم.. لم يكن أمام العرب خيار آخر وهم يشهدون تحول الصراع السني الشيعي إلى أزمة جيوسياسية مزمنة فى الشرق الأوسط، ربما يسفر عنها المزيد من التقسيم للعواصم العربية.. تحية واجبة لقرار عاصفة الحزم الذي أعاد الحياة للجسد العربي الذي ظن كثيرون أنه شاخ وترهل، فأثبت أنه مازال فتيا يدافع عن عرينه دفاع الأسود .