اليمن وإعادة تشكيل المنطقة
ما يحدث باليمن ليس قضية ثنائية بين المملكة السعودية ودولة اليمن، وليس الهدف منه مجرد الحفاظ على حركة الملاحة بمضيق باب المندب الاستراتيجى.
ما يحدث باليمن جزء من عملية التغيير الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتستهدف إعادة تشكيل هذه المنطقة، وصياغة نظام إقليمى – أمني بها. العديد من دول المنطقة والدول الكبرى تساهم في هذا الجهد أو تسعى لإيقافه وفقا لرؤيتها لمصالحها.
إيران لاعب أساسي في هذا الأمر، ولم تكتف إيران بنفوذها في العراق وسوريا ولبنان، ولكن سعت لأن يكون لها موطئ قدم في اليمن بمساعدة الحوثيين. المسألة هنا لا تتعلق بمساندة الأقليات الشيعية في العالم العربي، ولكن هدفها الاستراتيجي هو زيادة نفوذها الإقليمي في دولة تمتد بحدود واسعة مع المملكة السعودية، والتي تنظر إليها إيران على أنها خصمها الأساسي بالعالم العربي.
في هذا الإطار يمكن فهم ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية من إدانتها للعملية العسكرية ضد جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن، وذكرت في بيان لها أن ذلك سيزيد الأزمة في اليمن تعقيدا، وسيتسبب في اتساع رقعة الإرهاب والتطرف لتشمل مناطق أخرى في المنطقة.
السعودية في المقابل، ترى أن إيران تمثل الخطر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وعلى منطقة الخليج، وأن خطر إيران لايتمثل فقط في سعيها لتطوير برنامجها النووي، ولكن الخطر الأكبر ينبع من سياستها التي تستهدف تقويض الاستقرار في منطقة الخليج، ومد نفوذها في العالم العربي، والذي يبدو واضحا الآن في دول مثل العراق وسوريا ولبنان.
التحالف الذي تقوده السعودية هدفه ألا تتحول صنعاء إلى عاصمة عربية أخرى فى قبضة إيران بعد بغداد ودمشق وبيروت.
الولايات المتحدة، تتحول بالتدريج إلى موقف المحايد فى هذا الصراع. وهو ما يغضب حلفاءها التقليديين بالمنطقة. الولايات المتحدة أعلنت تأييدها للعملية العسكرية في اليمن وتقديمها لمساعدات مخابراتية ولوجيستية، وهي مساعدة تبدو رمزية بالأساس. فالولايات المتحدة لا تريد أن تُغضب إيران، وهي الآن تتفاوض معها بشأن برنامجها النووي، وتتعاون معها في ترتيب الأوضاع بالعراق (كما حدث في الإطاحة برئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي واستبداله بحيدر العبادي)، كذلك ساندت الولايات المتحدة العملية العسكرية الإيرانية ضد داعش داخل الأراضى العراقية.
الولايات المتحدة تسعى للمصالحة مع إيران ورفع العقوبات عنها والاعتراف بنفوذها في منطقة الشرق، والجلوس معها على طاولة المفاوضات للتباحث حول قضايا الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا.
أي باختصار فإن الولايات المتحدة ترى أن إيران لاعب أساسي في المنطقة، ويجب أن تكون جزءا من الترتيبات الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط.
لاعب آخر بدأ يظهر على هذا الساحة وهو تركيا، والتي تريد العودة مرة أخرى إلى منطقة الخليج وتوطيد العلاقة مع المملكة السعودية، والتي تدهورت عندما أيدت تركيا تيارات الإسلام السياسي في إطار ما عرف بالربيع العربي. منطقة الخليج تمثل أهمية اقتصادية كبرى لتركيا، كما أن تركيا تريد أن تكون لاعبا أيضا في الترتيبات الإقليمية الجديدة بالمنطقة.
لذا طالب الرئيس التركي أوردجان إيران بسحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق واتهمها بالسعي للهيمنة على المنطقة، وأكد دعم بلاده لعملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن. وأشار أردوغان إلى أن جهود إيران للهيمنة تزعج تركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى.
العملية العسكرية الدائرة الآن فى اليمن هى امتداد لما يحدث في العراق وسوريا، وجزء من لعبة الامم التي تستهدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط..
اقرأ أيضا