التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 07:51 ص , بتوقيت القاهرة

المال السعودي.. هل يهزم إيران في الخرطوم؟

أثارت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى الرياض، اليوم الأربعاء، اهتماما كبيرا في الأوساط العربية، خصوصا أنها الزيارة الأولى للبشير منذ مبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهلا للمملكة.

طرق الأبواب

السودان، الذي اتبع سياسية طرق الأبواب في العام الأخير مع المملكة، حاول مرارا وتكرار التقرب إلى السعودية، لكن دائما كان العائق الأساسي هو علاقات الخرطوم بطهران، التي خفت ضجيجها في العام المنصرم في ظل سياسية خارجية جديدة بدأت تتجه لها الخرطوم في علاقاتها مع جيرانها.

البشير، الذي زار المملكة العربية السعودية في العام الماضي مرتين، قدم في الثانية قربانا لتعزيز علاقاته بدولة "آل سعود" عقب إقراره إغلاق أكثر من 70 مركزا ثقافيا إيرانيا في بلاده، تحت مسمى "تهديد الأمن القومي والاجتماعي".

ويبدو أن قربان البشير لم يكن كافيا للحكومة السعودية، التي كانت تنظر للسودان دائما بترقب وحذر، في ظل عدم ثقتها من قدرة النظام السوداني على تنفيذ تعهداته بالابتعاد عن إيران.

استراتيجية سعودية جديدة

وعقب وفاة الملك عبدالله الثاني، وتولي شيقيه سلمان، الذي بدت رؤيته الخارجية تختلف في مضمونها عن سلفه، تزامن هذا التحول السياسي في المملكة مع تغول إيراني على النفوذ السعودي في المنطقة، فعقب سيطرة إيران على عواصم عربية مؤثرة هي بغداد، ودمشق، والمنامة، ها هي صنعاء تصبح رابع العواصم التي تسيطرها عليها طهران ما دفع الرياض لتحريك عدد من قوات على الحدود الجنوبية في ظل مطالبات يمنية بتدخل عربي وخليجي لمساندة الحكومة للقضاء على ما تصفه بـ"الانقلاب الحوثي".

انتهجت السعودية استراتيجية جديدة في تعاملاتها مع الدول التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران، معتمدة على سياسية "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، بالانفتاح والتقارب مع هذه الدول بغية مزاحمة النفوذ الإيراني وبقوة.

بدا هذا جليا في الرسالة التي أرسلها العاهل السعودي للرئيس السوداني، التي وجه له من خلاله دعوة لزيارة المملكة، بما ينبأ عن بداية عهد جديد بين البلدين ويفتح أفقا أوسع للتعاون.

السعودية، التي تعد إحدى أكبر الدول المستثمرة في السودان، تملك ورقة المال التي تستيطع من خلاله إعادة الخرطوم إلى المظلة العربية، في ظل الضغوط الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها نظام البشير المقبل على انتخابات رئاسية يتوقع أن يفوزها بها بولاية سادسة، والمحاصر دوليا بمجموعة من العقوبات، التي تقوض الاقتصاد السوداني وتقلل فرص الاستثمار الأوروبي والخليجي فيه.

البشير يراوغ

سياسية الاعتدال، التي بدأها النظام السوداني في العام الماضي، يرها بعض المحللين مجرد مرواغات تهدف لتحقيق مكاسب معينة من النظام الخليجي، الذي توترت علاقاته بشدة مع السودان في السنوات الأخيرة، ولم يبق له من دول الخليج إلا قطر.

وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهري، صلاح الدومة، أن "نظام الإنقاذ لا عهد له، والإدارة السعودية على علم بذلك لذلك تتبع سياسية الحذر في تعاملاتها معه"، مشيرا إلى أن السودان لم يقدم بوادر تثبت أنه قرر التراجع عن سياساته تجاه إيران، رغم ما قاله عمر البشير، بأن "علاقات بلاده مع إيران أقل من عادية".

أضاف الدومة لـ"دوت مصر" أن" الرياض تحتاج إلى ضمانات واضحة من الخرطوم، بخصوص التعاون الاستخباراتي بين السودان وإيران، ومصانع السلاح الإيرانية المنتشرة في الخرطوم"، مضيفا أن ظروف نظام البشير الذي يعاني من معارضة داخلية قوية وظروف اقتصادية صعبة، ربما تدفعه لتقديم مزيد من التنازلات لاسترضاء الرياض.

الاستثمار.. الورقة الرابحة

وفي سياق متصل، أكد الخبير في الشؤون الخليجية بمركز الأهرام الاستراتيجي، معتز سلامة، أن "الخرطوم ليس أمامها خيارات عديدة فيما يتعلق بالتحالف مع القوى المؤثرة في المنطقة، فالمحور السعودي ـ المصري ـ الإماراتي، بات هو الأكثر تأثيرا في ظل تراجع الدور القطري في الفترة الأخيرة".

وأشار إلى أن الرياض لن تقبل بأن تسقط عاصمة عربية خامسة في يد طهران، لذلك تسعى بقوة لإعادة الخرطوم إلى المحور العربي معتمدة بشكل كبير على نفوذها الاقتصادي، الذي يستيطع إنعاش الاقتصاد السوداني، الذي يعاني من أزمة حادة.

أضاف سلامة لـ" دوت مصر" أن "العام الماضي شهد توترا واضحا في العلاقات السودانية -الإيرانية في ظل تقارب واضح بينها وبين القاهرة، التي ربما كان لها دور كبير في تقريب السودان إلى المحور الخليجي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية".

وفي نفس السياق، أكد رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، جمال مظلوم، أنه " آن الآوان للسودان أن يتخذ خطوات واضحة تجاه الاقتراب من المحور العربي الجديد، الذي بدأ يقود المنطقة، في ظل اتساع رقعة النفوذ الإيراني، الذي تربطه علاقات وطيدة بالخرطوم منذ سنوات طويلة".

وأشار مظلوم لـ"دوت مصر" إلى أن "السودان من الدول المطلة على البحر الأحمر، وتشكل أهمية كبيرة بالنسبة للملكة العربية السعودية في ظل سيطرة الحوثيين على معظم المدن اليمنية واقترابهم من السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يمثل عمقا استرتيجيا لحركة التجارة السعودية".

أضاف أن "السودان يمثل أهمية كبيرة للأمن الغذائي للسعودية، وهناك عدة مشروعات للاستثمار في السودان الفترة المقبلة، وربما تكون هذه هي الورقة الأقوى لاستعادة السودان مرة أخرى داخل المحور العربي".