السودان
في 9 يوليو 2011 أُعلن عن ولادة جنوب السودان في احتفال مهيب، حضره الجميع كمؤشر لنهاية حِقبة عدم الاستقرار والصراع في السودان، وولادة أكبر حالة لعدم الاستقرار يشهدها العالم العربي في تاريخه الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى معاهدة سايكس بيكو.
وحتى جنوب السودان الوليد لم يهنأ بعام كامل من الاستقرار منذ بعد تاريخ مولده لانقلاب حلفاء الأمس. "أمراء الحرب" في الجنوب لم يكونوا أحسن حالا من المجاهدين الأفغان بعد الانسحاب الروسي، فالاستحواذ على السُلطة هو المدخل للثروة، ومن يملك الثروة يملك أدوات القهر والترغيب. والسودان في الشمال ليس بأحسن حالا من الجنوب، فإقليم دارفور يشهد حراكا عسكريا لم يهدأ، وفي الباقي منه يتجاوز عدد الأحزاب المسجلة حتى الآن 80 حزبا.
هذا الواقع ليس بغريب على المجتمعات في دول العالم الثالث، حيث يتقدم حزب القبيلة أو الطائفة أي حزب آخر فيما عدا حزب المؤتمر في جنوب إفريقيا، وبمراجعة سريعة لأصول نشأة الأحزاب الإفريقية تحديدا بما فيها جمهوريات إفريقيا الوسطى فهي أحزاب قبائل.
والسودان الآن يتحول من مرحلة ما قبل الانتقال إلى مرحلة التفسخ السياسي الكلي وتحوله إلى إمارات القبائل، والذي سوف يقود إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار فيه ويؤثر في أمن كل جيرانه "حارة كل من له أيده إلوه"، أي عراق إفريقي. فمنطقة القرن الإفريقي بامتداداته غربا وشمالا كانت ولا تزال مطمعا لجميع القوى العالمية، والقرن الإفريقي مثّل أحد أكبر مختبرات التفريغ السياسي حتى قبل أفغانستان.
فالصراع فيه راوح بين الكامن والظاهر، وعلى مر العقود الخمسة الأخيرة بين أكثر من قوة دولية بهدف إعادة صياغة المنطقة، خصوصا بعد نجاح تجربة دولة جنوب السودان، وللتاريخ والإنصاف.. ما كان لجنوب السودان أن يولد لو لا تعاقب سلطات سياسية ذات صبغة دينية تفتقد لأي شكل من أشكال البرجماتية السياسية أو الوطنية في الشمال، مما سهل إنجاز المشروع.
الرئيس البشير أدرك متأخرا، وبأكثر من أسلوب تحفيز أن المصالح العربية أكثر كثافة من السياسة، لذلك تم استقباله في الإمارات على هامش معرض "إيدكس" للسلاح والتكنولوجيا في أبو ظبي في فبراير الماضي، ومن بعده في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، والذي اختتم أعماله يوم الأحد الماضي .
فالرئيس البشير الآن يمني النفس بدور وطني جديد يتناسب وطموحه السياسي الشخصي، والذي قد لا يتلاقى وطموح السودان بقياس نتائج سنوات حكمه للسودان. على الجانب الآخر قد لا يتقبل الرئيس البشير إعادة المراجعة للكثير من الملفات قبل صياغة برنامج قد يُقبل منه في الشمال قبل الجنوب أو دارفور، وأن محاكاة برنامج يماثل ما أنجز في شرم الشيخ يعد جسرًا بعيد المنال في المستقبل المنظور.
إعادة الاستقرار في السودان مهمة يجب أن يضطلع بها الاتحاد الإفريقي وشركاء دوليون، ومن الطبيعي أن تضطلع مصر بدور قيادي لقدرتها وإمكانياتها من حيث الطاقات البشرية القادرة على إعطاء قيمة مضافة عبر نقل الخبرات مع شركاء سودانيين وأفارقة في مجالات استراتيجية، تشمل الأمن الغذائي، والطاقة ونقل الطاقة.