نتنياهو.. فشل على كل الجبهات!
بينما تتواصل المفاوضات بين واشنطن وطهران حول اتفاق التسوية السلمية لمشكلة الملف النووي الإيراني، بعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الاجتماع المشترك للكونجرس الأمريكي، وكأن آثار الخطاب ذهبت أدراج الريح، أو ذابت كما تذوب ثلوج واشنطن هذه الأيام على حد تعبير نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب السابق.
ويركز الوزيران الأمريكى جون كيري والإيراني جواد ظريف جولة تفاوضهما الراهنة حول مطلب إيران الملح بضرورة رفع العقوبات الدولية عن كاهل اقتصادها الوطني مرة واحدة، دون الدخول في عمليات خفض متدرج، كما يركز الوزيران على مطالب واشنطن بضرورة أن يمتد أجل الاتفاق وضماناته على الأقل لمدة عشر سنوات قادمة، بما يضمن استمرار التزام إيران بالاتفاق بعد نهاية فترة حكم المرشد الأعلى على خامنئي وسط مشاعر تفاؤل قوية يعبر عنها الجانبان، تشير إلى أن الاتفاق يكاد يكون فى متناول اليد وإن احتاج إلى بعض الرتوش الأخيرة.
وأن توقيع الاتفاق يمكن أن يتم فى مايو القادم بدلا من مارس لضمان وجود اتفاق جيد، يصعب على المتطرفين على الجانب الإيراني الطعن عليه، يمثلهم عدد غير قليل من النواب المحافظين في البرلمان الإيراني لا يثقون بأي اتفاق مع الولايات المتحدة التي لا تزال تمثل بالنسبة لهم الشيطان الأعظم!
كما يصعب على المتطرفين على الجانب الأمريكي محاولة إفساده، يمثلهم غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين يختلقون العراقيل والمشاكل لإفساد فرص نجاح الاتفاق، ويحاولون إلزام إدارة أوباما بعرض مشروع الاتفاق على الكونجرس بحيث تكون موافقة الكونجرس شرطا أساسيا لتمريره، وتورطوا أخيرا في خطوة بالغة الحماقة، عندما وجه 47 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين رسالة إلى قيادات إيران تحذرهم من المضي قدما في توقيع الاتفاق مع إدارة أوباما! بحجة أن الاتفاق مجرد وثيقة تنفيذية لا تحظى بموافقة السلطة التشريعية ممثلة في الكونجرس، لن يستطيع أن يصمد أكثر من 22 شهرا هي المدة الباقية من حكم الرئيس أوباما، لأن في وسع الرئيس الأمريكي القادم أن يلغيها أو يغيرها!
تجاوز الجمهوريون بهذه الرسالة كل الخطوط الحمراء، وانقلبوا على كل التقالييد التي تلزم الرؤساء الأمريكيين احترام الاتفاقات السابقة، وعدم كسرها كي لا تكون هناك سابقة تثير الشكوك حول الاتفاقات التي يوقعها الرؤساء، وتجاهلوا وجود رئيس في الحكم يعطي له الدستور حق رسم وتنفيذ سياسات الولايات المتحدة الخارجية، ونسوا أنهم كانوا أول الموافقين على قرار الرئيس الأسبق جورج بوش عندما وقع عام 2008 اتفاقا مع العراق يسمح ببقاء القوات الأمريكية هناك إلى نهاية عام 2011، وعارضوا دعوة الديموقراطيين إلى عرض الأمر على الكونجرس!
أحدث خطاب الجمهوريين إلى القيادات الإيرانية آثارا عكسية خطيرة، وصلت إلى حد اتهامهم بالجهل بمبادئ الدستور الأمريكي، وتجاهل حقائق تاريخية واضحة كشمس النهار، تؤكد أن 94% من اتفاقات أمريكا مع دول العالم الخارجى تمت بتوقيع رئيس الولايات المتحدة، وأن 6% فقط من هذه الاتفاقات هى التي تم فيها الرجوع الى الكونجرس، بل لقد وصل الأمر إلى حد اتهامهم بالتواطؤ مع أطراف خارجية ضد مصالح الولايات المتحدة.
والواضح أن خطاب أعضاء الشيوخ الجمهوريين إلى القيادات الإيرانية لم يحدث الأثر المطلوب داخل حوزة إيران الحاكمة، بعد أن أعلن وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف أن الخطاب مجرد بروباجندا فارغة، تؤكد أن الشيوخ الأمريكيين لا يعرفون أن القانون الدولي لا يعفى الدولة من أية التزامات قانونية تعهدت بها الحكومات السابقة!، ولا يعرفون أن القانون الأمريكى يمكن أن يعاقبهم بالسجن ثلاث سنوات على الأقل، لأنهم حاولوا التأثير على توجهات دولة أجنبية لهزيمة توجهات أمريكية ترى الولايات المتحدة أنها تحقق مصالحها، وأن ما أورده الجمهوريون فى خطابهم إلى ايران بأن في وسع الرئيس الأمريكى القادم أن يلغى الاتفاق بجرة قلم مجرد كذب فاضح، لأن الجمهوريين يتجاهلون أن اتفاق التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى لا يخص واشنطن فقط، ولكنه يخص ست دول أخرى بينها خمسة من أعضاء مجلس الأمن الدائمين سوف يوقعون جميعا على هذا الاتفاق!
والواضح أخيرا أن خطاب نتنياهو أمام الاجتماع المشترك لمجلسي الكونجرس الذي كان يدخل ضمن أول أهدافه، توسيع فرص نتنياهو في كسب انتخابات الكنيست القادمة، والحفاظ على كرسى رئيس الوزراء، وتمكين تحالف الليكود من البقاء فى السلطة يكاد يحقق فشلا ذريعا فى تحقيق هذه الأهداف، في ظل ردود أفعال الرأي العام الإسرائيلي الذي يعتقد غالبيته أن نتنياهو قامر في خطابه على العلاقات الأمريكية الإسرئيلية من أجل أن يحقق فوزا سريعا فى انتخابات الكنيست، ووضع إسرائيل في مأزق صعب، خاصة إنْ جاءت انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة عام 2017 برئيس ديموقراطى، وحرمها من المساندة التاريخية التي كان يقدمها الحزب الديموقراطي بمن في ذلك عدد غير قليل من قياداته يعتبرون أنفسهم من أصدقاء إسرائيل القدامى، لأن نتنياهو صف إلى جوار الحزب الجمهوري، وتجاهل مصالح الديموقراطيين، وسمح لسفيره في الولايات المتحدة أن يتواطئ مع الجمهوريين لدعوة نتنياهو إلى إلقاء خطابه أمام مجلسى الكونجرس دون إخطار الرئيس الأمريكى أوباما، الأمر الذي أثار موجة استياء واسعة في الولايات المتحدة، خاصة أن نتنياهو قبِل الدعوة، وأصر على الحضور رغما عن أنف الرئيس الأمريكى، متحديا كل التقالييد ضاربا عرض الحائط بكرامة الرئيس أوباما.
وتشير نتائج استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي الأخيرة قبل إعلان النتائج إلى أن فرص التحالف الصهيوني المعارض الذي يقوده رئيس حزب العمل هيرتزوج ووزيرة العدل السابقة في حكومة نتنياهو تسيبى ليفني في كسب انتخابات الكنيست القادمة تكاد تكون مؤكدة، وأن التحالف الصهيوني سوف يحصل في الأغلب على 24 من مقاعد الكنيست مقابل 22 مقعدا لتحالف الليكود.
وما يجعل هذه الحقيقة شبه مؤكدة أن الجمهور الإسرائيلي ملّ وسأم من خطابات نتنياهو التي تلعب على مخاوف الإسرائليين في قضية الأمن، وتروعهم من حرب نووية قادمة في الأجل القريب، سوف تنشب لا محالة إذا وقعت طهران وواشنطن اتفاق تسوية الملف النووى الإيرانى،
لكن الجمهور الإسرائيلى لم يعد يكترث كثيرا بهذه المخاوف إلى حد أن قضية الأمن تأتي في ذيل الأولويات الملحة التي تحكم انتخابات الكنيست القادمة، لا يختلف في ذلك أغنياء اليهود عن فقرائهم ولا شيوخهم عن شبابهم، بحيث يكاد ينعقد الإجماع الوطني الإسرائيلي على أن القضية الأولى بالاهتمام هي قضية الحقوق الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بسبب الارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة الذي جاوز خلال السنوات الأخيرة55%، وارتفاع تكاليف الإسكان التي زادت خلال العامين الأخيرين بنسبة 35%، بينما ظلت الأجور على حالها لم تتحسن كثيرا!
وثمة ما يشير إلى أن نسبة تقرب من 60% من الإسرائيليين يعتبرون العدالة الاجتماعية قضية القضايا في انتخابات الكنيست، مقابل 27% يعطون الأولية لقضايا الأمن وبينها ملف إيران النووي، والمدهش في الصورة تقارب نتائج استفتاءات الرأي العام الإسرائيلي مع نتائج استطلاعات اتحادات الطلاب في 19جامعة إسرائيلية، جميعها يؤكد وبذات النسب الأولوية المطلقة لقضايا الاقتصاد والعدالة الاجتماعية.
ومع الأسف لا يجد بنيامين نتنياهو مبررا لسقوط سياساته داخل إسرائيل سوى أن العالم أجمع يناصبه العداء، كما صرح قبل أيام في اجتماع لنشطاء الليكود أكد فيه، أن المعركة الانتخابية تكاد تكون رأسا برأس، ومن الصعب التنبؤ بنتائجها النهائية، لكن ثمة جهودا دولية متزايدة لإزاحته من منصب رئيس وزراء إسرائيل!