التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 06:21 ص , بتوقيت القاهرة

فيديو| "مخيم الأزرق" للاجئي سوريا.. هتلاقي وسط العتمة نور

مسطحات صخرية جرداء في الصحراء الشمالية للأردن، تصلح لأن تكون خلفية لفيلم خيال علمي، هي أمان وسكن لأكثر من 15000 سوري أجبرتهم ويلات الحرب على ترك منازلهم واللجوء لذلك المكان "مخيم الأزرق" ليصبح منزلهم.


فبعد مرور 4 سنوات على بداية الصراع في سوريا، هاجر ما يقرب من 625 ألف لاجئا سوريا إلى الأردن، بعد أن أصبحت بلادهم من أسوأ مناطق الصراع في العالم، وتم افتتاح مخيم الأزرق العام الماضي، ليضم العديد من السوريين في مخيمات حديدية متراصة بجانب بعدها البعض كعلامة لصراع لا ينتهي، حسبما ذكر موقع "وكالة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين".


وعلى الرغم مما لاقاه سكان هذا المخيم من ويلات وكوارث إنسانية ومشاهد وحشية، يصعب بعدها إيجاد أي بصيص من الأمل أو رؤية مستقبلية، هناك العديد من سكان هذا المخيم قرروا أن يحاربوا و يطوروا من حياتهم بالسلاح الوحيد الباقي لهم وهو المعرفة والإصرار، لذا قام 3 من سكان المخيم يطلق عليهم "مخترعين الأزرق" باستخدام ما لديهم من علم وابتكار بتحويل حياتهم وحياة الآخرين في المخيم للأفضل.    


صانع الألعاب


حاول كريم ذو الـ 65 عاما وعائلته طوال 3 سنوات التخلص من الصراع القائم في بلدتهم التي تقع على مقربة من حمص، وعلى الرغم من أن كريم لم يكمل دراسته في صغره، ولكنه بعمله الجاد استطاع أن يبني شركته الخاصة وأن يوفر حياة كريمة له ولأولاده الـ14 ، فامتلكوا منازل فخمة و مزرعة كبيرة، بالإضافة إلى سلسلة محلات خاصة بهم.


تبدلت الأحوال بعد اقتحام مسلحون منزل كريم وهددوه بقتل عائلته إذا لم يسلم مدخراته وأملاكه، فقرر أن يترك كل شيء خلفه ليصبح لاجئا.


وقال كريم: "لقد تملكني الخوف من أن يعودوا ويقتلوا أولادي فتركت سوريا"، ويصف كريم الصدمة التي أصابته هو وعائلته عقب رؤية الملاجيء البيضاء المعدنية والأرض المكونة من الأتربة في المخيم، واصفا إياها بالصناديق التي تعودوا أن يربوا حيوانتهم الأليفة بها.




في محاولة للتعايش مع الأوضاع قام كريم بصنع نموذجا ورقيا لطائرة لأحفاده من المواد التي توفرت في المخيم، كالفوم، وبعض الأسلاك والخيوط، وأشار كريم إلى أنه يشعر بالسعادة التامة عندما يرى أحفاده يلعبون بها وينسى الأوضاع السيئة التي وصل إليها، كما صنع كريم العديد من الألعاب لأطفال المخيم الآخرين، كما أنه استخدم قدراته الابداعية في البناء فصنع فواصل كالحجرات داخل الملجأ لتوفير مساحة شخصية لأفراد عائلته، كما بنى الأرفف و الدواليب الورقية لتنظيم أشياءهم بصورة أفضل.


بالإضافة لذلك بنى كريم ثلاجة من الرمال، والحجارة وعدة خراطيم، وكانت اختراعا ناجحا بشدة حيث يحفظ الطعام باردا، ولكن بعض الأطفال من المخيم لم يعرفوا ما هذا فأخذوها ليلهوا بها، وعلى الرغم من إحساسه بالخسارة الكبيرة، ولكن الأمل و خفة الدم المرتسمة على ملامح أحفاده يعود الفضل له بها، فهم دائما ما يلتفون حوله يلهون بالألعاب التي صنعها لهم.  



معالجة اللاجئين


عندما تدخل لملجأ حسناء ذات الـ 60 عاما لأول مرة تشعر أنك في كهف علاء الدين، فعلى الرغم من صغر حجم المكان ولكنك تجد كل ما تتخيله من أنواع بذور، وأعشاب مرتبين بعناية في قدور بلاستيكية، فلقد قضت المرأة 33 عاما في دراسة الخصائص العلاجية للنباتات، وبحسب مهنتها كعالمة نباتات سافرت للعديد من الدول لحضور مؤتمرات ومشاهدة العديد من النباتات النادرة ذات القدرات العلاجية القوية.


كان لحسناء وزوجها فاروق منزل بدرعا وآخر بدمشق، ولكن منذ عامين سافر الزوج للعاصمة، بينما بقيت هي بدرعا عل أمل اللحاق به ولكنها حتى الآن لا تعلم أي شيء عنه سوى أنه حي بحسب بعض أقربائها، فبعد مغادرته أغلقت الطرق وقطعت الهواتف، وبعض عام قضته وحيدة اشتد الصراع في بلدتها فلجأت للمخيم على الحدود الأردنية، ولم تأخذ معها ملابس أو متعلقات سوى 15 كتابا حول دراسة النباتات و العديد من البذور.



قالت حسناء إنها تعمل كمتطوعة في أحد مراكز المجتمع المدني بالمخيم، وهناك قابلت العديد من النساء اللاتي تعانين من الإكزيما هن وأطفالهن الصغار بسبب الجو الصحراوي الجاف، فقامت بمحاولات للعلاج بواسطة الأدوية التي تصنعها من بذور النباتات، فذاع صيتها في المخيم وأصبح العديد من المرضى يأتون إليها يوميا طلبا للعلاج، فعلاجها للإكزيما هو الأشهر، كما أنها تصنع مستحضرات تجميل وكريمات للجسد والشفاه، وأنواع من المشروبات المصنوعة من الأعشاب، ونادرا ما يجد سكان المخيم الأموال ليعطوها لهم ولكن يقوم البعض بإعطائها الأعشاب التي لديهم أو أي مكونات قد تحتاجها في مركباتها كنوع من أنواع الشكر لها.


واختفت ابتسامة حسنا عندما رأت فيديو بعثه لها أحد جيرانها بدرعا يصور منزلها وقد أصبح خرابا، مخترق بطلقات الرصاص، وانهمرت دموعها ولكن ليس بسبب المنزل، فبحسب قولها يمكنها بناء أكثر من منزل بدلا منه ولكنها تبكي على حديقتها التي احتوت على العديد من بذور النباتات النادرة التي أتت بها من مختلف دول العالم.



صائد الفئران


ليس من الصعب أن تتعرف على ملجأ جهاد في وسط مخيم الأزرق، فقط أبحث عن الملجأ الذي يحتوي على طاحونة، فعندما أتى هو وعائلته إلى المخيم في يونيو الماضي، ليجد أنه ليس هناك كهرباء بالمكان، قام السباك والكهربائي الذي يبلغ من العمر 52 عاما، والذي لم يحظ بتعليم مدرسي ولكنه علم نفسه بنفسه بتولي الأمر بنفسه، فقامت العائلة بابتكار مصباح يعمل بالطاقة الشمسية عقب وصولهم للمخيم ولكن للطاقة حدود فالشمس لا تكون مشرقة بالمخيم يوميا لكن الرياح موجودة دائما، لذا صنع جهاد طاحونة فوق الملجأ الخاص به.


ترك جهاد حمص في 2012 واصطحب أولاده الأربعة وزوجته إلى دمشق ليمكث عند أحد أقاربه، ثم أجر منزلا لأسرته، ولكنه عجز عن إيجاد وظيفة وأصبح وضع الأسرة المالي غير محتمل بعد أن أنفق آخر ما كان يملك ليضطر إلى مغادرة المكان ويذهب لمخيم الأزرق، وجهاد مؤمنا أنه ما دام المكان آمنا فأي مشكلة أخرى قد تواجه أسرته ستحل ويمكنه ابتكار العديد من الحلول.


كانت زوجة جهاد تخاف من الفئران التي تتواجد دائما بالمخيم، وحذرت زوجها من أنه إذا لم يتخلص من الفئران ستغادر هي المخيم، فابتكر مصيدة فئران من مواد بسيطة للغاية ليتمكن من القبض على 7 فئران، لتنتشر قصة المصيدة في المخيم ويصنع العديد منها لجيرانه بالمكان، كما ابتكر صنبورا منزليا باستخدام حقيبة بلاسيكية فارغة، وبقايا أشياء قديمة لديه، وجهاد لديه الثقة التامة بأنه يستطيع العناية بعائلته وسط كل هذه الظروف، وقال إن أكثر ما يحزنه هو فقدانه لصور زفافه وصور أطفاله، فهو يؤمن أن الأشياء الماضية تعوض ولكن الذكريات لا تعوض.