التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:23 ص , بتوقيت القاهرة

أم هانئ تحمي الرجال

تسمعي عن واحدة اسمها أم هانئ.. قريبة الرسول. بنت عمه. ظلت مشركة حتى فتح مكة.. زوجها اسمه هبيرة. كان يكره الرسول ويحاربه هو وأولاده وهرب يوم الفتح. وأراد علي بن أبي طالب قتل هبيرة وأولاده.. ذهبت أم هانئ للرسول تقول: يريد ابن أمي- تقصد علي- أن يقتل ابن هبيرة.. وإني قد أجرته.. قال رسول الله،: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ".

أم هانئ تتصدى لحماية رجل، والرسول يقبل، رغم سابق العداوة، الجوار كانت وسيلة يحتمي بها الضعفاء برجال أقوياء.. هذه المرة كان الجوار في جانب امرأة تفاوض الرسول.. أعلى قامة سياسية في البلاد.. وتحصل على حقوق سياسية واجتماعية تعطيها الهيبة.

عندما ذهبت أم هانئ للرسول تطلب منه الحماية لزوجها كان يستحم، وكانت فاطمة ابنته تستره! الرسول لا يثق إلا في فاطمة تستره وهو يغتسل.. رغم أنه من السهل استدعاء الكثير من الرجال لهذا الغرض.. في بيئة بدائية لا تعرف خصوصية الحمامات المغلقة أو الجدران العالية.

الجملة رائعة.. فاطمة تستر أبيها.. وقت أن كانت شابة في الخامسة والعشرين، وأبوها شيخ في الستين.

هنا لن أناقش هل صوت المرأة عورة أم لا.. هل تجلس في البيت أم تُمارس عملا.. هل لها حقوق مالية وإنسانية أم لا.. أنا أتحدث عن قمة الحقوق السياسية والاجتماعية التي جعلت أم هانئ امرأة ذات نفوذ يشبه المناصب القيادية في الدولة.

في النرويج، وحتى مطلع القرن السابق 1901، لم يكن من حق المرأة أن تقترض من البنك دون إذن زوجها. لأنه ليس لها ذمة مالية أو شخصية معتبرة بمعزل عن الرجل.. عبر عن ذلك هنريك ابسن في رواية بيت الدمية (1879) عن كفاح الزوجة نورا في أن تحصل على حقوقها داخل منزلها الذي تحولت فيه إلى دمية "بيت الدمية".. كانت تريد إنقاذ زوجها المعسر، فتكالبت عليها الديون، واضطرت إلى الاقتراض سرا. وعاشت في رعب أن يعرف ذلك.

لا أحب تقديس التاريخ. فتاريخنا، كتاريخ البشرية، مليء بالتشوهات والخطايا والألم. كما أني لا أرفضه بالجملة بدعوى الحضارة والمعاصرة.. وما جعلنا منسحقين هو إما نظره سلفية تعيدنا للوراء. أو نظرة ناقمة مهووسة بالرجل الأبيض تفصلنا عن جذورنا.. أنا فقط أتذكر امرأة في حياة الرسول كانت تتصدى لحماية الرجال.. بينما فتاته تستره حال غسله.

يقول الله في سورة النساء: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).

يعني الست لها نصيب من المال حال الزواج. وإذا أنت احتجت جزءا من هذا المال لظروف معينة تمر بها، فلا يحق لك أن تأخذ منها قهرا أو غصبا. إلا أن تطيب نفسها لك به.

هل هناك أرقُ ولا أعظم من "طيب نفس".. والزوج لا يملك سلطة أن ينتزع شيئا رغما عنها. فذمتها وإرادتها محفوظة خالية من الإكراه إلا أن تطيب.

وفي آية ثانية عند الانفصال: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتخذونه بهتانا وإثما مبينا).

يعني لو كنت أعطيت زوجتك شيئا. قنطارا. مالا كثيرا. وأردت الانفصال للزواج من ثانية. فلا تأخذ منها شيئا. رغم أنه بالأساس مالك الذي أعطيته لها.. ولو سلبتها شيئا غصبا فهو بهتان. ظلم. وإثم مبين كما تقول الآية. ولا تنس أن الظلم قرين الكفر في الكتاب.

وفي الآخير يقول الله: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض).

رغم أنكم بتنفصلوا. وأنت رايح تتجوز واحدة تانية. لكن ربنا لسه بيفكرك بالأيام الحلوة القديمة. رومانسية الآية. أفضيت لها. حكيت مشاكلك وهمومك وماضيك. وكذلك هي.

كيف تتسى هذا يا حمار أنت!