التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:58 م , بتوقيت القاهرة

فيديو| القصة الكاملة لأزمة "دير وادي الريان"

أصبحت إشكالية رهبان "وادي الريان" بالفيوم الذين أقاموا ديرا باسم الأنبا مكاريوس، هي حديث عدد كبير من الأقباط، وذلك بعد البيان الذي أصدرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بخصوص أحقية الدولة في أرض "وادي الريان"، الأمر الذي أثار ردود أفعال ما بين مؤيد ومعارض، في حين أن العدد الأكبر كان في حيرة، محاولا دراسة الأمر في ظل تضارب المعلومات المتداولة.

الدير الأثري

بدأت قصة صحراء وادي الريان بالفيوم في القرن الرابع، عندما سكنها الأنبا مكاريوس السكندري، هو وآلاف من الرهبان عاشوا في عدة مغائر، واستمرت الحياة الرهبانية هناك حتى القرن الـ14.

ويحوي المكان عددا من المغائر المحفورة، وكنيسة أثرية، ومعبد فرعوني قديم، وعددا من عيون المياه، ومقتنيات أثرية ترجع أقدمها إلى القرن الرابع، كما يتميز المكان بطبيعة خاصة، لكونه محمية طبيعية تحوي عدد من النباتات والحيوانات النادرة المهددة بالانقراض، وهو ما جعل الدولة تفكر في استغلاله كمشروع سياحي.

وحاول بعض رهبان دير الأنبا صموئيل إعادة إحياء الحياة الرهبانة بمنطقة وادي الريان في القرن الـ19، وبعد انتهاء الحياة الرهبانية تماما في هذا المكان، أعاد إحيائها الأب متى المسكين، مع مجموعة من الرهبان عام 1960، وذلك بعد أن صدر أمر من البابا كيرلس السادس بطرده وتجريده من رهبنته وكهنوته، فظل هناك حتى استدعاه البابا عام 1969 للعفو عنه، ولم يكن في ذلك الوقت الأب متى يحمل أي صفة كنسية عند تعميره تلك المنطقة.

لقطات لمحمية وادي الريان

لقطات للمنطقة الأثرية هناك

وفي عام 1996 أُعيد تعمير المنطقة على يد الراهب إليشع المقاري، أحد تلاميذ الأب متى المسكين، حيث حرص على أن يحيا الرهبان حياة بسيطة متقشفة في المأكل والمعيشة، وقام برسامة عدد من الرهبان منفردا، رغم أن الراهب إليشع يقول إن الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل، والبالغ من العمر وقتها 90 عاما، كان يعلم ويرأس هذا الدير، إلا أن كل ذلك تم دون الرجوع للمجمع المقدس المختص بالاعتراف بالأديرة، وقد وصل عدد التجمع الرهباني إلى حوالي 250 شخصا.


بداية الإشكالية

حدث عدة احتكاكات ببعض المسؤولين بالدولة، عندما رغب بعض الرهبان في بناء بعض القلالي في عام 2010، إضافة لمضايقات بعض الأعراب الساكنين بالمنطقة.

وحينما وقع الانفلات الأمني عقب ثورة يناير 2011، قام الرهبان ببناء سور يبلغ طوله حوالي 10 كليو مترات، خوفا من حدوث اعتداءات من الأعراب، فاحتجز السور بداخله مساحة واسعة من أرض المحمية، بما فيها من عيون طبيعية، والتي تتغذى عليها الحيوانات البرية المعرضة للانقراض.

فحدث نزاع بين الدير ووزارة البيئة وبعض السكان الذين اشتكوا توقف النشاط السياحي، والذي اعتمد على تلك المحمية، إضافة لعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة.

فيديو لجزء من الوقفة الاحتجاجية التي أقيمت ضد الاعتداء على محمية وادي الريان

وفي ديسمبر 2012، وبعد أسبوعين فقط من تجليس الأنبا تواضروس بطريركا للكنيسة القبطية الأرذوكسية، حصل الأب الروحي للرهبان إلشيع المقاري على توقيع البابا ليكون مفوضا للتحدث باسم الدير الأثري في معاملاته مع الدولة.



ثم حاول الأب أليشع إنهاء النزاع بتوقيع بروتوكول في أبريل 2013، بين رهبان المنطقة ووزارة البيئة، على أن تخضع إدارة المحيمة لوزارة البيئة لعدم إتلافها، وعمل عدد من المنافذ بالسور دون هدمه بمنطقة العيون الطبيعية، وأن تكون تلك المنافذ تحت إشراف موظفي الدولة لحماية المحمية وعدم تعطيل النشاط السياحي هناك، ووقف أي مشاريع زراعية أو بنائية أو أي إجراءات توسعية بالدير تضر بالمحمية، مع الإبقاء على حق الرهبان في التعبد هناك.

المجمع المقدس قبل "أزمة الطريق": ليس ديرا

وخلال إحدى الجلسات الدورية للمجمع المقدس، وتحديدا في 13 نوفمبر عام 2013، أصدر المجمع عدة قرارات وتوصيات، كان من بينها قرار مختص بوادي الريان، وكان نص القرار: "تشكيل لجنة مجمعية لدراسة موضوع وادي الريان، مع رفع تقرير إلى لجنة شؤون الرهبنة والأديرة، ومنها إلى المجمع المقدس"، وذلك على خلفية طلب التجمع الرهباني من الكنيسة القبطية الإعتراف به، وهو الأمر الذي كشف أن الكنيسة لم تكن معترفة بالدير، قبل مشكلة الطريق الذي أرادت الدولة شقه فيما بعد.

بيان أكتوبر

وفي أوائل شهر سبتمبر من عام 2014، أعلنت الدولة أنها تنوي تنفيذ مشروع تنموي سياحي بالمنطقة، يقتضي شق طريق للسيارات لربط جنوب الفيوم بمنطقة الواحات هناك، وهو الذي يقتضي هدم جزء من سور الدير ليعبر منه الطريق، فقوبل الأمر بالرفض الشديد من الرهبان، قائلين إن ذلك سوف يقتضي هدم جزءا من الدير والأماكن الأثرية، واقترح أحد مهندسي الدير من الرهبان، على الدولة طريقا بديلا، وهو ما قوبل بالرفض، وأكد الراهب داوود الرياني أن الطريق سوف يخرب الدير ويهدم الآثار.

ويؤكد المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، القس بولس حليم، أنه خلال تلك الفترة حاولوا إثناء بعض الرهبان عن الاحتكاك بالدولة، لأن الأرض ليست ملكهم، حيث لا يمكن أن يفرضوا شروطهم على أرض مملوكة للدولة.



فأبى الرهبان وأصروا على موقفهم، وكان على رأسهم الراهب إليشع المقاري، ما دفع لجنة الأديرة بالمجمع المقدس للاجتماع، وإصدار بيان بتاريخ 25 أكتوبر 2014، تعلن فيه إعفاء الراهب إليشع المقاري من الإشراف على المنطقة، والتبرؤ من الرهبان المدعوين داود ويعقوب، وتشكيل لجنة تتكون من كل من أسقف الفيوم، الأنبا أبرام، والأسقف العام بالمنيا، الأنبا مكاريوس، والأسقف العام، الأنبا أرميا، لإشراف على منطقة وادي الريان، مطالبين الرهبان بالالتزام، والدولة بعدم المساس بالأماكن الأثرية والمقدسات.

بيان المجمع المقدس في أكتوبر 2014

البابا تواضروس يفسر أسباب إصدار البيان

بيان مارس

وفي 3 مارس 2015، قال معاون وزير الآثار، محمد عبدالعزيز، إن اللجنة التابعة للوزارة قامت بفحص الدير، وأكدت أنه بالفعل منطقة أثرية، مشيرا إلى أنهم رفعوا تقريرا بذلك لوزير الآثار، مؤكدا أن الطريق لن يمس المناطق الأثرية.

وكان بعض رهبان وادي الريان، قد تصدوا في آواخر فبراير 2015، لمحاولة العمال شق الطريق وهدم جزءا من سور الدير، وقال الراهب أثناسيوس الرياني، إنهم أرادوا هدم كنيسة أثرية، فاجتمع البابا تواضروس باللجنة البابوية المكلفة بمتابعة الأمر.

وأصدرت اللجنة البابوية بيانا في 11 مارس، معلنة فيه مسؤولية الدولة عن أرض وادي الريان، والتبرؤ من 6 رهبان بالدير، وهم ماهر عزيز حنا (المدعو بولس الرياني)، وعبده إسحق جوهر، (المدعو دانيال الرياني)، ورامي إبراهيم خير (المدعو تيموثاوس الرياني)، ووائل فتحي نجيب (المدعو اثناسيوس الرياني)، وجرجس راضي موسى (المدعو مارتيروس الرياني)، وياسر صلاح عطية (المدعو غريغوريوس الرياني)، لخروجهم عن قواعد الرهبنة.

فرد عدد من الرهبان على البيان، وعلى رأسهم الراهب أثناسيوس، وهو أحد الذين تم التبرؤ منهم، قائلا إن قرار البابا غير قانوني، متهمينه بترديد معلومات مغلوطة، معلنا أن الرهبان لن يسمحوا بهدم السور إلا على دمائهم.

 

 

 

فسارع عدد من رهبان الدير بإصدار بيان في اليوم التالي، يعلنون فيه خضوعهم للكنيسة القبطية، تحت رئاسة البابا تواضروس والمجمع المقدس، ولكن بعض الرهبان قالوا إن هذا البيان لا يمثل إلا مجموعة محددة، وهو ما يشير لعدم وجود اتفاق بين الرهبان حول هذه الإشكالية.
 

 

تساؤلات للكنيسة

بعد ذلك البيان الصادر من الكنيسة، اتهم بعض الأقباط الكنيسة بالتخلي عن أولادها، خاصة بعد تداول الورقة التي وقعها البابا تواضروس للراهب أليشع، قائلين إنها تعتبر نوعا من التراجع عن الاعتراف بالدير.

ويقول المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، القس بولس حليم، لـ"دوت مصر": "إنه بعد أسبوعين من تنصيب الأنبا تواضروس بطريركا، أتى الأب إليشع المقاري، إلى المقر البابوي، ليصدر جوابا يتيح له التعامل مع الجهات المختصة في الدولة بشأن التجمع الرهباني، فأعطاه البابا ذلك الجواب، ولكن هذا لا يعني اعترافا بالدير، لأنه لم يستوفي الشروط، وعلى رأسها اعتراف المجمع المقدس به لأن المجمع وحده هو من يملك الإعتراف به".

وتابع: "المعروف أنه لكي يقام دير تابعا للكنيسة القبطية، لا بد أن يمر بعدد من المراحل، وهي أولا: إنشاء تجمع رهباني، وهذا متوفر في وادي الريان، ولكن هناك شروط أخرى معروفة، حيث إنه يجب أن يكون التجمع تحت إشراف روحي وإداري من قبل الكنيسة، وأن يكون المكان قانونيا، كما يجب أن تقوم لجنة الرهبنة والأديرة بدراسة وضع الدير لتقديم تقريرا عنه، ثم لا بد أن يطرح على المجمع المقدس للاعتراف به، وكل هذه الشروط لم تكن متوفرة وقت توقيع الورقة".

ويقول أسقف الفيوم، وعضو اللجنة البابوية التي شكلت للإشراف على المنطقة، الأنبا أبرام، لـ"دوت مصر": "إن هذه الورقة لا تمثل اعترافا به كدير عامر، تابعا للكنيسة، لأن المجمع المقدس وحده هو من يملك ذلك".

وقال: "إن الراهب أليشع طلبها بعد أن قال لنا إن المكان الذي يحتوي على كنيسة أثرية، كان يتعرض لهجمات بعد 25 يناير من البلطجية، فطلب من قداسة البابا ورقة يتعامل بها مع الدولة في حالة طلب حراسة للمكان".

ويضيف الأنبا أبرام: "وقد قمنا بإعفاء الراهب أليشع من الإشراف على هذه المنطقة في البيان الصادر من المجمع المقدس بتاريخ 25 أكتوبر 2014".

وعما إذا كانت الكنيسة قد تخلت عن الرهبان وغيرت موقفها من الدير مجالمة الدولة، يقول: "إن قرارات التبرؤ صدرت ضد مجموعة معينة من الرهبان الذين أثاروا المشاكل، ولا يمثلون معظم رهبان الدير الذين وافقوا على إنشاء الطريق، وقد طلبنا من هؤلاء الرافضين الحضور للتفاهم معهم، ولكنهم رفضوا، فأصدرنا تلك القرارات فليس لدينا مشكلة مع باقي الرهبان الذين يريدون الالتزام بسلوكيات الرهبنة القبطية الأرثوذكسية"، مشيرا إلى أن هؤلاء الرهبان غير معترف بهم كرهبان حتى يتم محاكمتهم.

وأشار الأنبا أبرام إلى أن قرار المجمع المقدس في جلسة 21 نوفمبر 2013، بتشكيل لجنة لدراسة موضوع وادي الريان يؤكد أن الكنيسة كان موقفها غير معترف به كدير من أديرة الكنيسة، حتى قبل حدوث مشكلة الطريق المزمع إنشاؤه، غير أن مجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة قد نشرت من قبل أسماء الأديرة المعترف بها، ولم يكن من بينها هذا التجمع الرهباني.

وأكد الأنبا أبرام الذي كانت "آثار الفيوم" موضع رسالته التي نال عنها شهادة الدكتوراه، أن الطريق المزمع إنشاؤه لن يمس بأي من المناطق الأثرية، قائلا: "إن الرهبان وضعوا أيديهم على 13 ألف فدان، ولا يوجد دير بهذه المساحة الواسعة، فنحن سنتفق مع الدولة على شراء 3 آلاف فدان، لتكون ملكا للدير والباقي للدولة، ولا أجد سببا للتعنت للحصول على هذه الأراضي".


كما يسرد أسقف لوس أنجلوس، الأنبا سرابيون، بعض ما دار بالكواليس في تصريحه لقناة لوجوس الناطقة باسم الكنيسة القبطية، فيقول: "الكنيسة حاولت حماية الرهبان، إلا أن الراهب المسؤول هناك رفض الاستماع لكل ما يقوله قداسة البابا، رافضا أي نوع من التفاهم حول إنشاء الطريق".

الأنبا سرابيون يجيب عن التساؤلات حول دير وادي الريان