التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:43 ص , بتوقيت القاهرة

المؤتمر الاقتصادي أهم من أي حاجة تاني

الصحة هي البطانة التي نبني عليها كل شيء آخر. لو نحينا الاستثناءات فإن الصحة الجيدة تدفع كل قدرات الجسد الأخرى خطوات إلى الأمام. 


الاقتصاد في حياة الأمم، كالصحة في حياة الأفراد، هو النفس الطويل، وهو عامل الحسم في المنافسة، وهو الرافعة التي يصعد عليها الأمن والدفاع والتعليم ومستوى الدخل. 


وهو - كالصحة - صعب ويسير. من الصعب أن تضمن النتائج، لأن أمورا غير منظورة قد تتدخل فيه. لكنه يسير لأن ممارساته الجيدة، لو واظبنا عليها، تتحول إلى عادة. ولأننا محظوظون، هناك أناس غيرنا حاولوا، وجربوا، وفشلوا ونجحوا، وكتبوا كتبا عن تجاربهم، فصرنا على قدر جيد من المعرفة. ثم إننا نستطيع أن نرى تلك التجارب بأنفسنا، وأن نعلم الناجحة منها والفاشلة. 


وهو كالصحة، فيه كثير من العادات السيئة المستقرة في المجتمعات المتخلفة. لا يزال أناس يمارسون الاقتصاد بنفس حدود معرفة الحلاقين عن الطب. ولا يزال الجمهور يلجأ إلى هؤلاء "الاقتصاديين على السمع" أكثر مما يلجأ إلى الاقتصاديين ذوي التجربة. لماذا؟



لأن الحلول الاقتصادية الناجعة مؤلمة، كما الحلول الطبية في كثير من الأحيان. ولأن النتائج ليست سريعة، بل لا بد من إكمال الكورس، ولا بد من احترام قرارات من جربنا حلولهم ونجحت، وليس الخضوع لأهواء وأمزجة "حسني النية". 


المؤتمر الاقتصادي أهم حاجة لمصر لأن الوضع الاقتصادي متدهور، والوضع الأمني حرج، والوضع السياسي محتاج لمتابعة ورعاية، وملف الطرق والمرور يحتاج إلى تخطيط استراتيجي. وكل هذا يحتاج إلى أموال. وكل هذا يحتاج منا إلى شَغل أنفسنا بالعمل. البطالة ليست غياب العمل، بل أيضا حضور المشاكل الاجتماعية والأمنية واستنزاف ثروات العاملين. 


المؤتمر الاقتصادي أهم حاجة لأن الاقتصاد أكبر عامل في تغيير سلوك الناس، وطريقة تفكيرهم، ونظرتهم إلى الحياة. التجارة علمت الناس التسامح والحرية وصيانة حقوق الغرباء. الصناعة ألغت العبودية وعلمتنا دقة المواعيد وحفزت البحث العلمي. إلخ. 



المؤتمر الاقتصادي أهم حاجة في مصر، لذلك سيفعلون أي شيء لإفشاله. إرهابيون سيفجرون أكثر. "أنقياء" سيفعلون كل ما في وسعهم لتلويث كل خبر عنه.


المؤتمر الاقتصادي أهم حاجة في مصر، لذلك لا مزاح مع الاقتصاد، ولا مع الخطاب الاقتصادي. سيأتي المستثمرون ويعودون إلى بلادهم، وسيبقى مستقرا هنا وعينا بالاستثمار وأهميته. إن لم يتغير الخطاب الاقتصادي، ونتجاوز شعارات الستينيات، فكأنك يا أبوزيد ما غزيت. 


مصر ليست الوحيدة على الساحة، ولا حتى الأفضل ظروفا للاستثمار، فلنبذل مجهودا أكثر لكي نحسن تلك الظروف. لنتوقف عن الاتهامات بلا دليل ضد رجال وسيدات الأعمال. لنتوقف عن مدح الفقر وسب الغنى، وتمجيد الفقراء والنكاية بالأغنياء (ولا أعني أن نفعل العكس طبعا). لنعلم أطفالنا أن الرخاء مقصد أساسي من مقاصد البشر، ومفتاح تجميل الحياة وتحسينها، وأنه مقياس همة الأمم وتميزها، وقدرتها على تجاوز التحديات.