صراع الرفاق في ثورة 1919
قصة ثورة 1919 هي قصة عشرة أسماء بارزة في صناعة ثورة،اختلف تسعة منهم مع الأول في طريقة إدارته، ولكنه ظل الزعيم بفضل شعبيته الكاسحة.
يحتفل المصريون بذكرى ثورة 1919 في 9 مارس من كل عام، ففي 9 مارس 1919 اندلعت المظاهرات في كل أنحاء مصر، احتجاجا على ما جرى في 8 مارس، وهو اعتقال أربعة من قادة الوفد المصري ونفيهم إلى مالطة.
قصة الثورة تبدأ في نوفمبر 1918 عندما تشكل وفد من سبعة أشخاص، هم: سعد زغلول- علي شعراوي- عبدالعزيز فهمي- محمد محمود- أحمد لطفي السيد- محمد علي علوبة- عبد اللطيف المكباتي، وقرر إرسال الثلاثة الأوائل مندوبين عنه لمقابلة المعتمد العام البريطاني ليطلبوا أن يغادر وفد مصري ليطالب باستقلال مصر ويمثلها في مؤتمر السلام بباريس، ورفض المعتمد البريطاني قبول الطلب، فانتشرت حركة قوية لجمع التوكيلات في أنحاء مصر.
أيد رئيس الحكومة حسين رشدي، ووزير المعارف عدلي يكن، مطالب الوفد، وفكرة جمع التوكيلات، وطلبا أن يتم السماح لهما وللوفد بالسفر، فرفض الإنجليز، فتقدما باستقالتهما للسلطان أحمد فؤاد- الملك فؤاد بعد ذلك- احتجاجا على رفض المعتمد البريطاني طلبات الوفد، فرأى السلطان فؤاد أن يؤجل البت في استقالتهما، وبعد رفض ومماطلة استجاب الإنجليز على أن يسافر الاثنان وحدهما دون الوفد، فرفض رشدي وعدلي وصمما على سفر من يرغب من المصريين أو الاستقالة فقبل السلطان فؤاد استقالتهما.
وهنا أرسل سعد زغلول إلى السلطان في 2 مارس، معلنا رفض الوفد قرار قبول استقالة رشدي وعدلي ، وأرسل لممثلي الدول الأجنبية في 4 مارس خطابا يحتج فيه على منع الإنجليز للمصريين من السفر، فاعتقل الإنجليز في 8 مارس 1919 أربعة من قيادات الوفد، هم: سعد زغلول- محمد محمود- حمد الباسل-إسماعيل صدقي، ونفتهم النفي الأول إلى مالطة لتندلع الثورة في اليوم التالي، ويضطر الإنجليز في آخر الأمر للإفراج عن الوفد في أبريل 1919، ويسافر هؤلاء معا ليدخلوا في مفاوضات طويلة بين باريس ولندن تنهي في اوائل عام 1921 بعودتهم جميعا دون تحقيق اتفاق، وهم مختلفين فغالبية أعضاء الوفد بقيادة عدلي يكن كانت في جناح التريث والاعتدال (عدلي يكن -علي شعراوي- عبدالعزيز فهمي -محمد محمود -أحمد لطفي السيد- حمد الباسل- محمد علي علوبة- عبداللطيف المكباتي).
بينما أقلية قليلة بقيادة سعد زغلول كانت متشددة (مصطفي النحاس- سينوت حنا- علي ماهر)، يشكل عدلي يكن الحكومة بعد عودة الوفد ويذهب للتفاوض مع الإنجليز بوفد لا يضم سعد، ويهاجم سعد زغلول عدلي بشدة، وتفشل المفاوضات فيعود عدلي في ديسمبر 1921 ويعتقل الإنجليز سعد زغلول مرة أخرى وينفونه إلى سيشل مع خمسة من رفاقه، أبرزهم هذه المرة (مصطفي النحاس ومكرم عبيد)، ليستقيل عدلي يكن وتندلع المظاهرات مرة أخري ليضطر الإنجليز آخر الأمر لإصدار تصريح 28 فبراير 1922 بإعلان استقلال مصر مع أربع تحفظات فقط، ويعود المنفيون لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر بعد الاستقلال.
من ضمن هذه الأسماء فإن المجموعة التي نفيت مع سعد زغلول في المرة الثانية هم من ظلوا متفقين مع مواقفه حتى النهاية، وهم من قادوا حزب الوفد بعد وفاته، أما غالبية الأسماء الأخري، التي ذكرناها والتي صنعت ثورة 1919 فقد خرجت من الوفد تباعا بعد أن رفضت مواقف سعد زغلول:
1- علي شعراوي: ثاني الثلاثة الذين توجهوا لمقابلة المعتمد البريطاني في مصر في نوفمبر 1918 مندوبين عن الوفد، خرج من الوفد هو وزوجته هدي شعراوي عندما احتدم الصراع بين المعتدلين مع المتصلبين بقيادة زغلول عام 1922 .
2- عبدالعزيز فهمي ثالث المندوبين الثلاثة استقال من الوفد في يناير 1921 وساهم في تأسيس حزب الأحرار الدستوريين، ورأسه مرتين بعد ذلك، طالب بمنع تعدد الزوجات، وعندما صدر كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبدالرازق مهاجما فكرة الخلافة باعتبارها ليست أصلا دينيا، هاجم الملك فؤاد وأنصاره الكتاب، وكذلك سعد زغلول والوفد، ولكن الأحرار الدستوريين رفضوا إدانة الكتاب ومؤلفه.
وكان عبدالعزيز فهمي وزيرا للحقانية، فكان يجب ان يصدر قرارا بفصل الشيخ علي عبدالرازق بعد فتوى علماء الأزهر ضده، فرفض وقال إنه لا يجد في الكتاب موجبا لفصله، فصدر قرار بنقل الإشراف على أعمال الحقانية لوزير آخر، فاجتمع قادة الأحرار الدستوريون وأصدروا قرارا بالإجماع يرفض إدانة المؤلف،واستقال وزراؤهم الثلاثة في الحكومة، ومن بينهم عبدالعزيز فهمي ومحمد علي علوبة، احتجاجا على تهميش عبدالعزيز فهمي وعلى فصل الشيخ علي عبدالرازق، ودفاعاعن حرية الرأي.
3-محمد محمود باشا أحد الأربعة الكبار الذين كان نفيهم إلى مالطة في 8 مارس 1919 السبب في إشعال ثورة 1919 عندما أفرج عن الوفد في أبريل وذهب للمفاوضات انقسمت المجموعة إلى معتدلين ومتشددين، فاستقال محمد محمود من الوفد في أبريل 1921.
ولما ضاق الفريقان ببعضهما كان انقسام الوفد في أكتوبر 1922 بتأسس حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عدلي يكن، ثم عبدالعزيز فهمي، ثم محمد محمود، الذي ترأسه لـ15 عاما كاملة حتى وفاته، ومحمد محمود هو النائب الوحيد الذي نجح في دائرته في مواجهة الوفديين في انتخابات 1924.
ترأس محمد محمود الوزارة بعدها أربع مرات، مرة بين (يونيو 1928-أكتوبر 1929)، وثلاث مرات متتالية (ديسمبر1937-أغسطس 1939) وكان في كل مرة يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية، وأطلقت على سياساته سياسة اليد الحديدية.
4-إسماعيل صدقي أحد الأربعة الذين أشعل نفيهم الثورة، اختلف مع سعد زغلول مبكرا واستقال عام 1919 نفسه، تولى وزارة المالية عام 1921، وترأس الحكومة ثلاث مرات بين (يونيو 1930- سبتمبر 1933)، ثم مرة أخرى (فبراير 1946- ديسمبر1946)، ويعد أكثر السياسيين الذين لقوا رفضا شعبيا، لأنه بدأ عهده بتمرير الغاء دستور 1923، وإعداد دستور 1930، الذي وسع صلاحيات الملك على حساب البرلمان.
كما حل مجلسي النواب والشيوخ، وشكل حكومة قمعية، لهذا اعتزل السياسة بعد تركه الحكومة، لأنه أصبح مكروها للغاية من الشعب والمثقفين، أما حكومته الأخيرة فجاءت بعد حادثة كوبري عباس، التي أطاحت بحكومة النقراشي، فجاء إسماعيل صدقي بعد مدة طويلة من اعتزاله العمل السياسي مدعوما من الملك والإخوان المسلمين، وروج الإخوان للرجل المكروه باستخدام الآية (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد).
وبرغم كل ما قيل في عيوب إسماعيل صدقي فقد كان معروفا بحنكته الاقتصادية لدرجة أنه جنب مصر مخاطركثيرة رافقت الكساد العظيم الذي ساد العالم منذ أواخر العشرينات وحتى منتصف الثلاثينات، وذلك في حكومته الأولى مطلع الثلاثينات، والتي تولى فيها وزارة المالية، كما أنه كان مؤسس بنك التسليف الزراعي.
5-حمد الباسل: أحد الأربعة الذين كان نفيهم إلى مالطة السبب الرئيسي لاشتعال الثورة، ولكنه في المفاوضات التالية أخذ جانب المعتدلين ضد المتشددين ضد الإنجليز في المفاوضات (سعد زغلول- مصطفي النحاس- مكرم عبيد- علي ماهر- سينوت حنا- واصف غالي- ويصا واصف)، ولم يلبث أن خرج من الوفد وابتعد، ولكن في ديسمبر 1921 وجه الإنجليز إنذارا لسعد زغلول وبعض قادة الوفد بأن يلزموا الريف ولا يأتوا إلى القاهرة فأدرك أنهم ينوون اعتقاله فقرراستمالة بعض رفاقه القدامى فاختار مخاطبة حمد الباسل فأرسل له ورقة بهذه الكلمات (عزيزي حمد- الاتجاه إلى الاعتقال- واجبك أن تعود إلى الوفد- رد الأمة هو عدم التضامن مع الإنجليز- مقاطعة البنوك والشركات الإنجليزية- تشجيع بنك مصر، الامتناع عن تشكيل أي وزارة، الإمضاء سعد)، وبالفعل تم في 23 ديسمبر 1921 القبض على سعد زغلول ونفيه إلى سيشل (النفي الثاني) مع رفاقه.
وفي غياب قيادة الوفد عاد حمد الباسل لقيادة الوفد ولمساندة بقية قيادة الوفد (علي ماهر وويصا واصف وواصف غالي) وعاد معه ستة آخرون من كبار المنشقين عن الوفد، على رأسهم جورج خياط وقادوا حركة التظاهر، وهكذا اعتقلهم الإنجليز وأصدروا في 25 أبريل 1922 حكما بالإعدام على (حمد الباسل- ويصا واصف-واصف غالي- جورج خياط- مراد الشريعي- علوي الجزار- مرقص حنا)، وهم السبعة الذين أطلق عليهم المصريون سبعة أسود في قفص، ورفض حمد الباسل الاعتراف بحكم المحكمة استنادا لعدم اختصاص محكمة أجنبية بالحكم عليهم، وتم تخفيف الحكم إلى سبع سنوات، ثم أفرج عنهم جميعا في مايو 1923. اختلف الباسل مع الوفد مرة أخرى بعد وفاة سعد زغلول نتيجة خلاف مع مصطفى النحاس ومكرم عبيد.
6- أحمد لطفي السيد: أستاذ الجيل، وأول رئيس لجامعة القاهرة، والمدافع الصلب عن حرية الفكر، كان من أعضاء الوفد المصري الأول (السبعة المؤسسين)، اختلف بعدها مع الوفد وأصبح من قيادات الأحرار الدستوريين، كان وزيرا للمعارف في حكومة محمد محمود، ووزير خارجية في حكومة إسماعيل صدقي الثانية عام 1946 والتي أدارت مفاوضات صدقي-بيفن، استقال من الوزارة عام 1932 عندما تم إقصاء طه حسين من الجامعة، ثم دخل في حكومة أخري وزيرا ليستقيل مرة ثانة عام 1937 بعد اقتحام الشرطة الحرم الجامعي، وهو صاحب مقولة "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".
7- محمد علي علوبة: أحد السبعة المؤسسين للوفد، اختلف مع مواقف سعد فكان جزءا من معسكر المعتدلين منذ وصول الوفد إلى باريس في أبريل 1919 حتى مغادرة غالبية الوفد في مارس 1921، كان بعد ذلك من مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين ووكيل الحزب لمدة طويلة وشغل منصب الوزير أكثر من ثماني مرات في حكومات الأحرار الدستوريين أو الحكومات الائتلافية، طالب بتقييد تعدد الزوجات، وكان أحد الوزراء الثلاثة الذين استقالوا في أزمة كتاب الإسلام وأصول الحكم..
8-عدلي يكن: رجل دولة شغل مناصب وزارية مختلفة قبل ثورة 1919، انضم للوفد المفاوض وكان في المفاوضات قائد جبهة التريث و(الاستقلال المتاح)، التي كانت تتفاوض على أساس مشروع ملنر ومعها غالبية الوفد، في مواجهة جبهة الاستقلال التام التي قادها سعد زغلول، وأقلية قليلة فيها مكرم عبيد والنحاس، ترأس عدلي الحكومة بعد عودة الوفد، أي في أوائل عام 1921،وقرر عدلي أن يرأس وفد المفاضات، وعرض على سعد زغلول أن ينضم إلى الوفد كعضو، فرفض زغلول وصمم على رئاسة الوفد بوصفه موكلامن المصريين، وعلى شروط أخرى.
فلما رفض عدلي قال سعد زغلول جملته الشهيرة عن المفاوضات التي سيقودها عدلي وهي (جورج الخامس يفاوض جورج الخامس)، وذلك للانتقاص من مواقف زميله، ولكن في النهاية سيستقيل عدلي يكن وحكومته فور إصدار الإنجليز أوامر بالقبض على سعد زغلول ونفيه (الثاني إلى سيشل في ديسمبر1921، وسيسعى بعد ذلك لتأسيس حزب الأحرار الدستوريين.
9- عبداللطيف المكباتي أحد السبعة الذين أسسوا الوفد، كان من مجموعة المعتدلين استقال من الوفد في أبريل 1921 بعد عودة الوفد من المفاوضات، وانضم إلى الأحرار الدستوريين.