التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:35 م , بتوقيت القاهرة

المؤتمر الاقتصادي والتغيير الوزاري.. وعنق الزجاجة !

(1)


مصر في امتحان.. إمّا يصعد بها أو يهبط بأسهمها.. القاهرة في رهان صعب.. اقتصادها وأمنها وقدراتها التنظيمية مرتبطة بحبل وثيق.. إذا نجحت استتب الأمن وانتعش الاستثمار وازدادت ثقة العالم في هذا البلد .


عامان ومصر تحاول أن تُزيل آثار عداون الإخوان على الدولة.. بذلت جهدًا كبيرًا لإقناع العالم بثورة 30 يونيو.. وأنها تحارب في أشرس معركة ضد الإخوان والإرهاب.. وتدريجيا زادت مساحة الاقتناع العالمي بمصر.. وتراجع رفض الذين كانوا يتعاطفون مع الإخوان.


واليوم القاهرة تستعد للمؤتمر الاقتصادي العالمي، وتعلم أنه اختبار عملي أمام أكثر من 60 دولة.. عليها أن تعبُر عنق الزجاجة في شرم الشيخ إلى فضاء أوسع وأرحب.. لن نعيش أبد الدهر نتسول معونات ومنح وقروض.. آن الأوان لتقوى مصر باقتصادها وأمنها واستثماراتها بعد أن كانت تلجأ للجيش في كل الأزمات.. بلدنا إذا كان مستقلا في سياسته الخارجية، فيجب أن يقترن ذلك بالنجاح داخليا.. المواطن أهم من أمريكا وروسيا وأوروبا.. المصري لو ارتاح الدنيا تحلو وتزغرد.


من ثم أقول إن هذا المؤتمر لخير المصريين أولا وتصحيح نظرة العالم لنا ثانيًا..  لا أبالغ لو قلت إنه أخطر تجمع عالمي تعقده مصر خلال الـ20 عاما الأخيرة.. لم نمر بظروف بالغة الصعوبة مثلما نحن الآن.. حتى عندما كنا منهزمين في 67 لم يكن الاقتصاد بهذا السوء.


 النجاح الذي حققته مصر في خفض سعر صرف الجنيه في السوق السوداء وتوحيد سعره بين البنوك وشركات الصرافة.. وجمع 62 مليار جنيه في 8 أيام لتدشين مشروع توسعة قناة السويس.. مؤشران قويان أن المصريين يملكون إرادة النجاح ومقوماته، ويدركون التحديات التي يواجهونها فيصبرون على الإصلاح الاقتصادي ومتطلباته مثل رفع أسعار البنزين والكهرباء والمياه والسجائر .. وعي المواطنين بحرج المرحلة التي يعبرونها يساعد على تخطي العقبات.


(2)
إن مصر من خلال هذا المؤتمر تسعى لتصدير صورة الاستقرار السياسي للعالم بعد أربع سنوات من الاضطراب غير المسبوق في تاريخ البلاد.. كما أنها فرصة للرئيس السيسي وحكومته لشرح ما تم إنجازه سياسيًا واقتصاديًا، وإن كنتُ لا أزال أراه ضئيلا.


ولا يخفى على أحد أن المؤتمر ينعقد في ظل انخفاض أسعار البترول، الأمر الذي يفرض ضغوطا شديدة على حلفائنا الخليجيين.. إذن سياسة المؤتمر تعتمد على خلق فرص استثمار حقيقي تعوض مصر عن غياب بعض الدعم الخليجي مستقبلا.. المؤتمر يشهد أيضًا لأول مرة عودة البنك الدولي وصندوق النقد للتعاون مع مصر.. إلا أن مصر ستحرص على ألا تكون روشتات الإصلاح المقدمة من المؤسستين الماليتين العالميتين لا تفرض تضحيات أكثر على المواطن.


 عودة البنك والصندوق تعني أن هناك ثقة في أن الحكومة المصرية بدأت خطوات حقيقية لخفض العجز في الموازنة ومحاصرة التضخم وتشجيع القطاع الخاص.. المؤتمر يمثل نموذجًا فريدًا للتداخل الشديد بين الاقتصاد والسياسة المصرية الداخلية والخارجية، خصوصا وأنه متصل باعتبارات إقليمية مثل أمن منطقة الخليج وتهديدات الإرهاب للمنطقة كلها، بل وتهديد شرايين الحياة لدول محورية مثل السعودية ومصر بعد استيلاء الحوثيين المدعومين من إيران على مدخل البحر الأحمر.. وبهذا أصبحت طهران تسيطر على أربع دول عربية هي سوريا ولبنان والعراق واليمن.


(3)
 غير أن مصر وهي تنظر للعالم الخارجي لا تغفل عما ينقصها في الداخل.. فالاستثمار مرتبط بالأمن والاقتصاد لا يصلح من غير تعليم جيد ولا زراعة.. حيوية قطاع الخدمات في مصر له تأثير مباشر على تعافي صحة الاقتصاد.. من ثم تم تغيير وزير الداخلية لعدم قدرته على تأمين الأماكن الحيوية وترهل العمل الأمني وتفشي الجريمة الجنائية والسياسية وتجاوزات بعض رجال الشرطة.. واستهداف مكاتب الشركات العالمية والبنوك، كما تم تغيير وزير التعليم والذي كان من المفترض أن ينهض بالتعليم كيفا وليس كما لأنه الذي يصب في سوق العمل بالإضافة لوفاة عشرات التلاميذ واكتشاف أخطاء فادحة فى المناهج وتدهور أوضاع المدارس المهددة بالانهيار، ووصل المتسربون من التعليم إلى 2 مليون.


أما السياحة المرتبطة مباشرة بالرواج الاقتصادي فقد أدلى وزيرها بتصريحات كثيرة كاذبة عن تعافي القطاع، كما دخل في خلافات مع وزير الطيران إلى جانب تخلفه عن حضور مؤتمرات عالمية.. أما وزير الزراعة فقد أصر على تبني سياسات معادية للفلاحين وبسببه توقف البنك الدولي عن تمويل مشروع المليون فدان، لأنه لم يقدم دراسة جدوى عن المشروع، أما وزير الاتصالات ففشل في إصدار الرخصة الرابعة للمحمول وعجز عن تحسين خدمة الإنترنت أحد دعائم الاستثمار.


وبهذا جاء التغيير الوزاري ليؤكد أن القيادة السياسية تعلم نبض الشارع وتدني خدمات بعض القطاعات الأمر الذي ينبغي معالجته بسرعة قبل عقد المؤتمر الاقتصادي العالمي،  ليعرف العالم أن مصر تتغير ولا تقبل التقصير ولا تدعي الكمال، وبهذا فهي لا تكذب على نفسها أو على العالم وتضع الأمور في نصابها الصحيح. 


(4)


ويبقى أن تستفيد مصر من المؤتمر كدولة وشعب.. لا للصفقات السريعة في الأراضي والعقارات والعمولات واستيراد السلع.. نعم للصناعات الزراعية والغذائية.. لا لغياب الشفافية ولا لتكوين الثروات وتشكيل طبقات اجتماعية جديدة.. ونعم لمجتمع عادل يحقق حياة حرة كريمة.. لا إهدار قيمة العمل ونعم لإعلاء قيمته والإيمان به طريقا للصعود والكفاءة والتفوق.. لا للفساد والرشوة وتحديد تسعيرة لتأشيرة المسؤول في قطعة أرض أو خدمة معينة أو سُلطة تُباع وتشترى.. لا للتوسع في الإسكان الفاخر المستفز ونعم للمساكن المتوسطة.. لا لاستيراد السلع الكمالية ونعم للتوسع فى المجتمعات التعاونية وخدماتها ذات الأسعار المعتدلة.


ينجح المؤتمر إذا تبنى مصلحة الشعب وزاد من رصيد الاحتياطي الأجنبي وقلص سعر صرف الدولار .. وكما قلت في البداية انه إمتحان صعب بعد ثلاثة أيام ونريده أن ينعكس على حياة المواطن وليس ديكورا جماليا أو " مكلمة " استعراضية ودعائية.