لعنة آشورية تلاحق "داعش"
"الويل لمن يلمس أجسادنا.. الويل لمن يسرق حُلانا.. يموت مريضا ولا يذهب إلى الجنة"، لعنة منقوشة باللغة الآشورية، في إحدى أواني مدينة النمرود "كالح"، تجاهل تنظيم "داعش" وجودها عند تدميره عاصمة الإمبراطورية الآشورية الأخيرة.
المملكة التي أسسها "آشور ناصربال الثاني"، ملك آشور بين عامي 883 و859 ق.م، وتقع على مسافة 37 كم جنوب شرق مدينة الموصل، كانت لعنة حقيقية على عراقيين حاولوا سرقتها في عام 2003، فلقوا حتفهم جميعا، على غرار لعنة الفراعنة في مصر القديمة.
باحث الآثار العراقي، علي طالب، يقول لوكالة "سبوتنيك" الروسية، تاريخ مدينة النمرود، التي حُطمت معالمها وأبنيتها مؤخرا على يد عناصر التنظيم الإرهابي: "كل ما فعله داعش أنه دمر آثارا عراقية وصفها بأنها شركية، كُمبرر لعجزه عن حملها وتهريبها وبيعها، كباقي النفائس الحضارية من بلاد الرافدين، ومنها مدينة النمرود الآشورية الأثرية، التي عُثر فيها على أعظم كنز في التاريخ، الذي يضاهي اكتشاف كنز توت عنخ آمون الفرعوني في مصر."
"لعنة النمرود"
مدير المتحف العراقي السابق، المحاضر في جامعة ستوني بروك في نيويورك، داني جورج، يشير في محاضرته التي ألقاها عن كنوز النمرود، في إبريل من عام 1988، إلى أن عالم آثار عراقي يدعى مزاحم محمود وجد أن أرضية إحدى القاعات داخل مدينة النمرود غير متناسقة، لذا أسرع ليزيل بعض البلاطات، فظهر أمامه رأس قبة، ثم مدخل إلى غرفة تحت الأرض، وبعد 10 أيام وصل مزاحم إلى باب مطوق بآجرات تحميها مسلة من رخام تحمل النص "آشور ناصربال الثاني".
واصل مزاحم البحث والحفر، وفي مارس من عام 1989 عثر على بئر مربع عمقه 3 أمتار، أخرج منها ركام أحجار ليرى بابا موصدا ورائه غرفة، يضطر من يدخلها للانحناء.
وكانت الغرفة مليئة بالأواني، والجرار الفخارية، وقناديل الزيت، وزجاجيات، وألواح من طين، كتب على إحداها باللغة الآشورية الحديثة، وترجمتها بالعربي عبارة "الويل لمن يلمس أجسادنا.. الويل لمن يسرق حُلانا.. يموت مريضا ولا يذهب إلى الجنة".
"تاج ملك الموت"
اكتشف "مزاحم" غرفة ثانية، وجد فيها قبرا ضخما فارغا، بجانبه 3 قبور أخرى تحتوي على رفات 17 شخصا، وعثر فيها على تاج من الذهب محفور على شكل أوراق العنب والرمان، وصورة لـ"ملك الموت" تزن كيلوجراما، نُقش عليها إنها تعود إلى زوجة آشور ناصربال الثاني، وإلى جانبها حلي لا يحصى، بالإضافة إلى تاج آخر مزين بـ96 قطعة على شكل وردة.
ما اكتشفه "مزاحم" كان أكثر من 600 حلية بأنماط آشورية، مصرية، فينيقية، مدفونة في قلب القصر الإمبراطوري، وكان مصدر الذهب من مصر العليا، والأناضول، والفيروز من إيران، أما اللازورد فكان من أفغانستان.
مع وقت الاكتشاف التاريخي، كان العراق في حرب مع الكويت، وبسبب سياسات النظام السابق لم يحصل "مزاحم محمود" على إشهار يضعه في نفس المكانة مع هنري مالون، زوج الكاتبة الإنجليزية، أجاثا كريستي، التي اشتهرت بكتابة الروايات البوليسية.
ونُقل كنز النمرود، بتكتم من النظام السابق، إلى البنك المركزي العراقي، وبعد 10 أعوام من السر، باح "مزاحم" بأعظم اكتشاف في حياته وفي تاريخ العراق الإنساني، عندما تلقى دعوة من المتحف البريطاني عام 2002.
وعرض مزاحم الصور التي التقطها للموقع والكنز على مدير العاديات الشرق أوسطية، جون كورتيس، وصاح قائلا: "إنه اكتشاف أثري يضاهي اكتشاف كنز توت عنخ آمون.
"اللعنة مصير سارقي كنز النمرود"
حُفظ كنز النمرود في صناديق مُحكمة الإغلاق، داخل قبو يتكون من مستويين ذوي تقنية تغمر الخزنة الرئيسية بالمياه أوتوماتيكيا، ولا يُمكن فتح الخزنة إلا بمفتاحين وشفرتين من الأرقام، احتفظ بها موظفون في البنك.
وقبل انتهاء حرب الكويت، توقع حَمَلة مفاتيح "كنز النمرود" عدم وجود قوة تردع أحد أفراد العائلة الحاكمة من الاستحواذ على الكنز، فاتفقوا على أن يفترقوا، ويأخذ كل منهم عائلته ويهجر بغداد باتجاه الريف، دون علم أحد.
وبحسب قصة "مزاحم"، مع سقوط نظام صدام عام 2003، وانتشار الفوضى بسبب الانفلات الأمن في العراق، حاول بعض اللصوص النزول إلى خزنة البنك لسرقة الكنز، ومعهم قاذفة "آر بي جي"، أطلقوا قذيفة منها على باب الخزنة من مسافة قريبة فارتدت عليهم لتقتلهم متأثرين بالانفجار، وهو ما عده البعض تأكيدا للعنة الآشورية، حيث لم يُكسر الباب، وبقي الكنز محفوظا حتى يومنا هذا.
الثيران المُجنحة، أبرز معالم الحضارة العراقية الحارسة لبوابات النمرود، مرتع آشور ناصربال، شهدت هذا الأسبوع بطش تنظيم "داعش"، بتدمير المعالم التاريخية لمحافظة نينوى أقدم وأكبر مناطق العراق الأثرية، فهل يكون تدمير المدينة الآشورية لعنة على التنظيم الإرهابي؟.