"جبهة النصرة".. عندما لا تكون إرهابية
يبدو أن جبهة النصرة في سوريا ستكون رقما مهما وإيجابيا في المرحلة القادمة، إذا ما نجحت المحاولات الإقليمية في إقناعها للانتقال إلى خط متقدم ومختلف عن فكر تنظيم القاعدة يصل إلى حد الانفصال بشكل نهائي.
المعطيات الراهنة تشير إلى أن جبهة النصرة التي تشكلت في نهاية عام 2011، لديها الرغبة في إعلان البراءة من التنظيم الأم "القاعدة"، بزعامة أيمن الظواهري في أفغانستان، فتأكيدات قيادات من جبهة النصرة في الأيام الماضية بالرغبة الجدية نحو الانفصال، تثير تساؤلات حول توقيته ودلالاته، في وقت تعرضت فيه حركة حزم المدعومة أمريكيا لهزيمة كبيرة في الأسبوع الماضي على يد جبهة النصرة التي هاجمت مقر الفوج 46 في حلب، وقضاء النصرة أيضا على جبهة ثوار سوريا بزعامة جمال معروف والمدعوم من قبل واشنطن أيضا.
الشعب السوري مطالب بالتصدي لأولئك الذين يريدون تحويل ثورته الشعبية المباركة إلى "تجربة" جهادية نخبوية تنتهي فصولها في رؤوس الجبال والكهوف
تغيير النهج
المحلل السياسي في المعهد العربي لدراسة السياسات، الدكتور مروان قبلان، قال لـ"دوت مصر"، إن "جبهة النصرة هي الفصيل المعارض المسلح الأكثر فاعلية وتأثيرا على الأرض، لكنها من جهة أخرى و بسبب إعلان ولاءها لتنظيم القاعدة بعد خلافها الشهير مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أصبحت مستهدفة من قبل الغرب والتحالف الدولي، وقد تلقت الضربة العسكرية الأولى مع بدء الغارات الأمريكية على سوريا في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، كما أنها مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية إضافة لقوائم عربية".
الساحة السورية على أعتاب ثورة شعبية جديدة تعيد بعض الجماعات إلى جادة الصواب
ويضيف قبلان: "ليس هناك برأيي أي إمكانية أمام النصرة لكي لا تلقى مصير تنظيم الدولة، إلا أن تفكك ارتباطها بالقاعدة، و تحولها إلى فصيل وطني سوري بأجندة معتدلة، ولأنها كانت حتى الآن الأكثر فاعلية في مواجهة النظام، فإن دولاً عديدة تساند المعارضة السورية، تعتقد أيضاً أنه ربما من الأجدر للحفاظ على معارضة عسكرية قوية قادرة على الوقوف في وجه النظام و حلفاءه في المعسكر الإيراني، هو تغيير نهج النصرة وولاءها بدلا من القضاء عليها و تحقيق أهداف النظام و حلفاءه".
فصيل وطني
وحول إمكانية نجاح جبهة النصرة في أن تكون بديلا عن تنظيم داعش إذا تم القضاء عليه، يقول "لا أعتقد أن النصرة تتجه لأن تكون بديلا عن داعش، وهي التي تحاول أن تميز نفسها عنه، لكن إذا كنت تقصد كقوة عسكرية مهمة على الأرض فهذا باعتقادي مرتبط بمدى قدرتها على الابتعاد عن القاعدة وتوجهاتها الأممية وقدرتها على التحول إلى فصيل وطني سوري".
ويستدرك قبلان في الحديث عن تأثير وجود جبهة النصرة على المعارضة والثورة السورية بشكل عام، ويؤكد أن "تأثير جبهة النصرة قد يكون من الناحية الإيجابية، أي أن (النصرة) ستكون مفيدة للمعارضة إذا عدلت من مواقفها وأصبحت أكثر قدرة على التعبير عن واقعها السوري انطلاقاً من أن معظم كوادرها هي كوادر محلية سورية هدفها الأساسي إنشاء مجتمع تسوده قيم الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة الإنسانية".
أفق مغلق
وكانت حسابات تابعة لجبهة النصرة، على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أكدت خطوة الانفصال عن تنظيم القاعدة، وقال "مزمجر الشام"، وهو شخصية على صلة وثيقة بجماعات إسلامية من بينها جبهة النصرة في سوريا، إن "الكيان الجديد سيرى النور قريبا وسيضم جبهة النصرة وجيش المجاهدين والأنصار وكتائب صغيرة أخرى، وسيتم التخلي عن اسم (النصرة)، وستنفصل الجبهة عن (القاعدة)، لكن ليس كل أمراء (النصرة) موافقين ولهذا السبب تأجل الإعلان".
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، في مركز الجزيرة للدراسات، شفيق شقير، يقول لـ "دوت مصر": "الأفق السوري مغلق في هذه المرحلة، لذلك الرهان الآن على وجود قوى معتدلة، لكن ذلك يصطدم بعوائق عديدة، أهمها عامل الوقت، حيث إنه إذا لم يوجد متسعا من الوقت لإعداد قوة قادرة على ملء الفراغ إذا تم القضاء على تنظيم داعش، العامل الثاني يكمن في القدرة على أن يتم حشد القوى من خلال جسم جديد، وهذا أمر صعب، لذلك بدأ الحديث عن التعامل مع جبهة النصرة كقوة معتدلة إذا ما أعلنت انفصالها عن تنظيم القاعدة".
إن كنتم تؤمنون بأدبيات القاعدة فانظر كيف تطلب القاعدة من فروعها الاصطفاف مع البقية على المشترك وهو التحرير @mhiisni pic.twitter.com/todVSnixu2
هلال إخواني
ويتابع شقير بالقول "يمكن القول إن تنظيم جبهة النصرة لديه مصداقية نوعا ما في سوريا، ويتميز بأنه قادر على جلب عناصر جديدة لصفوفه".
ويؤكد أن "الظرف الإقليمي لم يكن يسمح بالرهان على جبهة النصرة وهذا الظرف مرتبط بخشية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مما أسماه (هلال إخواني) ينجم عن الربيع العربي، وكان هذا الهلال جاء ليزاحم مشروع الهلال الشيعي، حتى أنه قيل في تلك المرحلة أن الهلال الإخواني أشد خطرا من الهلال الشيعي، إضافة إلى ذلك برز خلاف تركي من جهة وسعودي مصري من جهة أخرى، لذلك الوضع لم يكن ليسمح بتقبل النصرة".
وحول تأثير دخول جبهة النصرة إلى منطقة القبول العربي والدولي على الجيش الحر والمعارضة السورية، قال شقير: "الجيش الحر لم يعد موجودا، وأسقطته عدة عوامل من بينها الضعف التنظيمي، والخلافات العربية، لأنه كان مكونا من عدة فصائل وكل فصيل يتبع لدولة وهذه الدول غير متفقة مع بعضها، وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لم تحسم أمرها بدعم الجيش الحر، بالنسبة لها كانت تحتاج إلى ضمانات إضافة إلى رغبتها في تحديد من هي الفئات التي تزودها بالسلاح، وهذا ما حدث مع حركة حزم وجبهة ثوار سوريا اللذان تم القضاء عليهما من قبل جبهة النصرة، فهذه العوامل كانت السبب الرئيسي في انتهاء الجيش الحر حتى وصل إلى مرحلة عصابات تقتل وتسرق، وفي هذا الوقت برزت جبهة النصرة كقوة تعاقب مجموعات الجيش الحر التي تقوم بانتهاكات، الأمر الذي خلق رضى شعبي عنها".
تماسك عقائدي
ويرى شقير أنه لا يوجد سبيل إلا التفاهم مع مجموعات النصرة لأنها عقائديا متماسكة وتنظيميا لها إعداد نفسي وما يسمى إعداد "جهادي" جيد ولديها تجربة بالتعاون مع المنظمات الأخرى وكانت صادقة في التعاون، لذلك النصرة بشكلها أو مجموعات منها ستبقى هي الأفضل في ظل ظروف إقليمية مواتية.
ويتساءل شقير عن قيام تنظيم جبهة النصرة بخطوة الانفصال عن تنظيم القاعدة، هل ستكون بموافقة أيمن الظواهري في أفغانستان، أم ستكون خطوة منفردة؟
وكان الدكتور الظواهري قد حث جبهة النصرة مرتين على التوحد مع فصائل أخرى في توجيهات سرية ، أولها مع الجبهة الإسلامية وثانيها مع أحرار الشام
فك الارتباط
من جانبه يقول عضو الائتلاف الوطني السوري، بسام الملك لـ "دوت مصر": "نحن نريد أن نعرف ماذا سيتبلور عن جبهة النصرة، إذا أثبتت عدم ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتغيرت المواقف العربية والدولية تجاههها، سوف تجتمع القيادة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، ويصدر قرار حول جبهة النصرة".
ويضيف الملك: "لا نستطيع أن نحدد موقفنا الآن نحن ننتطر النتائج وبمجرد توضح الخط السياسي والتوجه العسكري لجبهة النصرة سيكون لدينا موقف واضح ولا نتحيد لأي طرف، إذا كان هناك فك ارتباط مع القاعدة ومساعدة للشعب السوري يمكن أخذ ذلك بنطاق إيجابي، إضافة لشرط أن تكون أهداف النصرة متناسبة مع الجيش الحر".
وكانت الولايات المتحدة قد حظرت جبهة النصرة في ديسمبر/كانون الأول 2012، واعتبرتها مجموعة إرهابية، مما جعل أي اتصالات بين واشنطن وجبهة النصرة ممنوعة على الدبلوماسيين الأمريكيين.