التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:46 م , بتوقيت القاهرة

صوت|حوار مع سائق في رحلة فاشلة إلى منفذ السلوم

الأخبار الساخنة القادمة من بوابة مصر الغربية محملة بهموم مئات الآلاف من المصريين الهاربين من جحيم "داعش" على الأراضي الليبية خصوصا عقب إعلان التنظيم ذبح 21 مصريا اختطفوا في طرابلس مطلع العام الجاري.. أجبرتنا على عدم انتظار الموافقة الأمنية لدخول منفذ السلوم، والتوجه سريعا لخوض المغامرة.


فور الوصول تولى مسؤولي فندق "سيرت" مهمة استئجار سيارة لاصطحابنا إلى هناك والعودة فيما بعد، وبالفعل اصطحبنا هيثم، السائق صاحب المؤهل العالي في رحلة موازية لكورنيش السلوم، في طريق الجبل، أو "الهضبة" كما تسميها الجهات الأمنية، خاضت فيها السيارة البيجو رحلتها في طريق متعرج، حتى وصلنا إلى أول كمين في طريق متابعة عودة المصريين من أقرب نقطة من الحدود الليبية.


بالطبع أوقفنا عدد من أفراد القوات المسلحة، تحوطهم المدرعات، تحققوا في البداية من أوراق السائق، الذي كان يحمل ترخيصا بحرية الصعود إلى المنفذ، لكن سرعان ما عمت حالة من التأهب فور علمهم أننا "صحافة"، ما دفهم لمطالبتنا بتصريح مكتوب من جهات أمنية رفيعة للسماح بالعبور، كذلك تواجد أحد المختصين من الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة لمرافقتنا.


حوار مع رفيق الرحلة


ومن هنا بدأت اتصالتنا بكل الجهات التي يمكن أن تسهل لي المهمة، الذين طالبونا بالتزام أمكاننا حتى حل الأزمة، فيما طالب أفراد الكمين السائق بتنحية السيارة إلى جانب الطريق حتى تنتهي الإجراءات.. وبنظرات مشفقة قال لي هيثم: "متتعبيش نفسك .. مافيش أمل".



قد يكون شعورا بالشفقة أو رغبة في العودة.. لا أدري.. لكن السائق صاحب الملامح السمراء قرر أن يحكي لنا كل ما يمكن أن نراه داخل المنفذ ، مشيرا إلى أن الوصول إلى ليبيا له عدة طرق من مصر، أولها الطريق البري عبر منفذ السلوم، أو الطريق الجوي عبر مطارات القاهرة وبرج العرب من الإسكندرية، لكنه أكد أن تلك هي فقط الطرق الشرعية.


وفي المقابل هناك طرق غير شرعية يتم من خلالها تهريب المسافرين، عن طريق الجبل والبحر، بحسب هيثم، أما بعد الأحداث الأخيرة فوجود الجميع في ليبيا، أصبح أمرا واقعا، وأصبح القبول بعودتهم أمر بديهي  على الحكومة المصرية، ما جعلها تيسر إجراءات العودة.


"إلي داخل تهريب كان بيتعمله محضر تسلل".. عبارة أوضح به هيثم الطريقة الذي كان يعامل بها الهاربون بطريقة غير شرعية قبيل الأحداث الأخيرة، لكن الآن يتم فقط الكشف عنهم جنائيا وتغريمهم مبلغا بسيطا.


وقسّم السائق الشاب ما يمر بها المصريون العائدون من ليبيا إلى عدة مراحل: أولها القوس، وهي المنطقة المحايدة بين مصر وليبيا، وفيها تتحقق الشرطة المصرية من كون العائد مصريا، بعدها يعبر إلى بوابة المنفذ الأولى التي تقسم العائدين إلى عائدين بطريقة شرعية وصحيحي الجوازات أو لا، وبعدها يحجز كل منهم في صالة وصول، ويلي ذلك الجوازات والجمارك، وهي إجراءات تفتيشية بديهية يجب أن تكون موجودة - على حد قوله، ثم يدلفون بعد ذلك إلى موقف منفذ السلوم للدخول إلى أرض الوطن.


وبرر السائق السلومي شكاوى العائدين من التعنت في الإجراءات لدخول مصر بالتكدس والزحام، ما يجعل الإجراءات تستغرق بعض الوقت من ثلاث ساعات إلى ثلاث ساعات ونصف الساعة، بعدها يمر العائدون بأكثر من نقطة تفتيش تابعة للجيش والشرطة حتى النزول إلى السلوم المدينة.



"كنت بتضايق في الأول من كتر نقط التفتيش.. وأقعد أتخانق مع ضباط الجيش".. قالها هيثم في بداية حديثه عن تجربته الشخصية التي شهدها عبر سنوات طويلة عمل فيها سائقا بالموقف، ومن ثم بدأ يستوعب أهمية نقاط التفتيش حين اكتشف أن هناك بعض الركاب قد يحملون أسلحة أو ممنوعات، ومن ثم يراجع نفسه قائلا: "بدأت أقول بعد كدة الناس دي كتر خيرها، لو سابو السايب في السايب البلد هتتملي ممنوعات".


ويروي هيثم أغرب المواقف التي شهدها مع العائدين من ليبيا، فقد رأى أحدهم لا يصطحب معه سوى بطيخة، جلبها ليزرع بذورها بمصر، وآخر يصطحب كرتونة مياة معدنية، "استخسر تركها في ليبيا"، أما أكثر المواقف التي لن يستطيع نسيانها كانت في بداية الثورة الليبية، حين استقبل أحد العائدين وهو منهار بعدما فقد أبناءه في لييبا جراء أحداث الثورة، واضطر أن يعود إلى مصر دونهم.


وتعددت مواقف السائق مع الصعايدة، التي تردد أن يحكيها حتى لا يصنف كعنصري مستهزء بهم، قائلا: "ممكن يقعدوا يضربوا بعض طول الطريق علشان واحد قالي التاني وسع شوية والتاني مرضيش".


وفسر هيثم تذمر بعض العائدين من استقبال السلطات المصرية قائلًا: "الناس جاية من هناك على أعصابها، فاكرين أنهم أول ما هيدخلوا هيركبوا أوتوبيس مكيف والمضيفة هتجيبلوهم شاي"، وعن رؤيته لنسبة أعداد المصريين العائدين بعد الأحداث، وتناسبها مع ما كان متوقعا تابع: "الناس مش كتيرة زي أيام العيد، العدد العادي، الأحداث الأخيرة مأثرتش زي ما كنا متوقعين".


وعن رأيه في مبررات الأقلية المقدمين على العودة، قال: "في حالة عداوة بين المصريين والليبين بعد الضربة، (يقصد قصف المقاتلات المصرية لمواقع داخل ليبيا قيل إنها تابعة لتنظيم داعش)، والإشاعات كمان كترت بين المصريين.. بين هيدخلوا يخطفونا ويقتلونا"، إضافة إلى إلحاح الأهالي عليهم وإجبارهم على العودة، مؤكدا بديهية أن العائدين فور استقرار الأوضاع في ليبيا سيعودون.


ومن خلال معايشته في السلوم، أكد هيثم أن أكثر الأوقات التي عاد فيها المصريين كانت أثناء الثورة الليبية، وأضاف عن انطباعه الشخصي: "أنا مبحبش أروح ليبيا، رغم إني روحتها أكتر من مرة، وكمان في معاملة خاصة هناك لأهل السلوم ومطروح"، أضاف مبتسما "مبروحش هناك إلا علشان أحضر فرح، أو ألعب ماتش كورة، أو أفول العربية بـ6 جنيه مصري بس".


وفي المقابل أكد أنه لم يشهد هناك أي حوادث قتل أو خطف، وآخر ما يمكن أن يتعرض إليه هو توقيف من أحد البلطجية وسرقة ما معه، بينما أكد أنه سعيد بضربة السيسي، قائلًا: "أول مرة نحس إنه حد بيرد حاجة بتحصلنا، لإن هناك المعاملة مش لطيفة، وإللي رايح من هناك ياكل عيش، مش بيدور عالمشاكل".


انتهى الحديث عند ذلك، بعدما استمر وجودنا في كمين القوات المسلحة لأكثر من نصف ساعة، فشلت فيها جميع المحاولات لدخول المنفذ، واضطررنا لانتظار الإجراءات والموافقات الأمنية، وسلكت نفس الطريق للعودة.