التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 04:00 ص , بتوقيت القاهرة

هل تسببت إسرائيل في إنهاء التنسيق الأمني؟

عندما دخل الجنود الإسرائيليون مخيم الدهيشة الفلسطيني في محافظة بيت لحم ارتكبوا انتهاكات للاتفاقيات الفلسطينية - الإسرائيلية غالبًا ما يُشار إليها باسم اتفاقيات أوسلو.


الاتفاقات التي كان من المقرر أن تنتهي قبل نهاية القرن العشرين لا تزال معنا منذ عقد ونصف من القرن الحادي والعشرين.  لكن الرصاص الإسرائيلي الذي وقع على جثة جهاد الجعفري قد تكون قد قتلت تمامًا ليس فقط الشاب الفلسطيني ذا الثمانية عشر من العمر فحسب، بل أيضًا التنسيق الأمني مع إسرائيل.


قسّمت اتفاقيات أوسلو الأراضي المحتلة (ناقص القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل بطريقة أحادية الجانب) إلى ثلاث مناطق متميزة.  احتفظت إسرائيل بكامل السيطرة وبالحق الأمني الكامل على المناطق (ب) و(ج).  والفرق هو فقط أن الفلسطينيين في المناطق (ج) يُسمح لهم بالرقابة الإدارية أي التقاط القمامة وغيرها.


ولكن المناطق (أ) التي كان من المفترض أن تنمو تدريجيًا لتشمل الأراضي المحتلة بكاملها هي تحت السيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية.  لا يُسمح لإسرائيل دخول مناطق (أ) وأي شيء أو أي شخص يريدونه من تلك المناطق يجب أن يتم بالتنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية.  مخيم الدهيشة الذي هو تمامًا ضمن مناطق (أ) هو تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية الكاملة.


لذلك عندما قُتل الجعفري  وهو من المؤيدين لحركة فتح  فإن الإسرائيليين لم ينتهكوا سيادة المناطق الأمنية الفلسطينية فحسب، إلا أنهم دمروا الآلية الوحيدة المتبقية من التعامل الإيجابي مع الفلسطينيين والتنسيق الأمني.


يعاني الرئيس الفلسطيني محمود عباس من ضغوط شديدة لإنهاء التنسيق الأمني.  مما لا شك فيه أن القضية ستناقش في الدورة القادمة للمجلس المركزي الفلسطيني ذي حوالي المئة وأربعة وعشرين عضوًا. عادة ما يُدعى المجلس للمناقشة والموافقة على القرارات الاستراتيجية التي تنطوي على مستقبل النضال الوطني الفلسطيني. والاجتماع المقرر أن يعقد في الرابع والخامس من شهر آذار/ مارس تقرر انعقاده في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.


عند مناقشة موضوع التنسيق الأمني، قد يكون الفلسطينيون يقطعون آخر خيط للحبل المشدود الذي يربطهم بإسرائيل وجهاز احتلالها. وبطبيعة الحال مثل هذا القرار ستكون له عواقب كبيرة عندما يتعلق الأمر بحياة الفلسطينيين اليومية.  لقد تسببت إسرائيل بالفعل في أضرار بالغة الأهمية للسكان الفلسطينيين بموافقتها وللشهر الثالث على التوالي على تحويل عائدات الضرائب التي تجبيها نيابة عن الحكومة الفلسطينية. ومرة أخرى، فإن الاتفاق الضريبي ما هو إلا جزء آخر من مذكرة التفاهم الإسرائيلية الفلسطينية وتكراراتها المتنوعة.


ماجد فراج وهو أعلى مسؤول أمني فلسطيني والذي يرأس دائرة المخابرات الفلسطينية، ويشاع أنه سيتم تعيينه نائباً للرئيس هو من مخيم الدهيشة. من المؤكد أنه سيُطلب منه أن يشرح لماذا ينبغي الاستمرار بالتنسيق الأمني، بينما سكان مخيم الدهيشة يُقتلون على أيدي الجنود الإسرائيليين الذين لا يحترمون هذا التنسيق.


دون التنسيق الأمني ودون عائدات الضرائب بالإضافة إلى مخاطر إضافية تتمثل في فقدان الملايين من الدولارات بسبب التعويضات القانونية التي قررتها محكمة أمريكية، تكون الحكومة الفلسطينية والتي عمليًا تدعى السلطة الفلسطينية، قد ألغت نفسها بنفسها تمامًا. سوف تضطر إسرائيل، كقوة محتلة إلى تحمل مسؤولية الأراضي المحتلة والسكان الذين ورثتهم عندما انتشرت قواتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.


اتفاقية جنيف الرابعة التي أنشئت بعد الاحتلال الألماني لفرنسا والذي طال أمده (في ذلك الوقت)، تنظم مسؤوليات القوة المحتلة.  إسرائيل ومحاكمها ترفض أن تقبل أن المناطق الفلسطينية التي تسيطر عليها قواتها هي أراضٍ محتلة.  وتقول إنها أراضٍ متنازع عليها ونتيجة لذلك ترفض حل الإدارة المدنية التي تم إنشاؤها من قبل الجيش الإسرائيلي في أعقاب احتلال عام 1967.


استمرت الإدارة المدنية تعمل في المناطق (ج) وغالبًا بالتوافق مع طلب المستوطنين وبهدف إعاقة أي تطور ونمو فلسطيني.  تشمل مناطق (ج) والتي تغطي ما يقرب 65? من الأراضي المحتلة جميع المناطق خارج المدن المأهولة وكذلك وادي الأردن بأكمله (باستثناء أريحا).


الجندي الإسرائيلي الذي ضغط على الزناد في مخيم الدهيشة يوم الأربعاء قد يكون قتل الأمن ذا العقدين من العمر والترتيب السياسي الذي استفاد منه إلى حد بعيد الإسرائيليون واحتلالهم ومشروع استيطانهم ذو ال 47 سنة من العمر.  ولعل الوقت قد حان بأن ينكشف المظهر الكاذب لعملية السلام، وأن يتم محاسبة نظام الإحتلال عن أفعاله القبيحة. باستثناء اليسار حزب ميريتس والقائمة العربية المشتركة، لم يشمل أي حزب إسرائيلي رؤيته لمستقبل الأراضي المحتلة في برامجه.  بينما يتم إنشاء حكومة ائتلافية جديدة، فإن القيادة الإسرائيلية المقبلة قد تجد نفسها مباشرة أمام الرعاية الإجتماعية لأربعة ملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.