التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:08 م , بتوقيت القاهرة

هكذا أصبحت داعشيا

خجلي الشديد الذي أُشتهر به أبعدني  كثيرًا عن الاعتراف بمأساتي فى توقيت مناسب، وعن ذِكر ما تعرضت له في مسيرة حياتي الحافلة من أعاصير وأمواج هادرة، لا يمكن لجبال الصبر أن تتحملها، لكن حدث ما شجعني على كسر خجلي، بل جعلني أخجل من خجلي، فبعد مجىء الأخبار بما تعرض له الوديع لطيف المعشر، ابن مدارس الليسيه المنضم لداعش من اضطهاد بيِّن، وكذلك حياته المليئة بالتراجيديا، من اهتمامه بالموسيقى وممارسة الرياضة ومرافقة الجميلات، وحتى استقراره بمبايعة البغدادى.


كانت معاناته بمثابة السياط التي ألهبت روحي، فأجبرتني على إظهار سيرة نضالي للنور، كي تستفيد منها الأجيال، وذلك استغلالا لمناخ الحرية المتاح بعد ثورات الربيع، وهي على كل حال لا تقل عن سيرته بطولة وآلاما.


قد تبدو لك الأحداث غريبة بعض الشيء، لكن على كلٍ، هذا هو الذي جرى بكل أمانة سيريالية. 



(1)
لم تكن لدي أسباب وجيهة لتغيير نمط حياتي، فقبل انضمامي للقاعدة، كنت مليونيرا، أتاني الله من سعة فضله، مارست نزوات الشباب وتصابي الكهول، حتى أوقعتني في حبالها راقصة مغمورة بحيّ الملذات، وفي ليلة وكنت أسكر في كازينو شهير، اعترفت للراقصة بحبي لها، فصرخت وجمعت حولي الزبائن، وفضحتني كما لم أُفضح من قبل، كان هذا في عصر الرئيس السادات، أفقت من سُكري على تجريس السكارى وضحكاتهم المستهزئة، وقررت التوبة والانتقام من الزبائن إذ أمكنني.


بحثت في القاهرة عن شيخ أتوب على يديه، فوجدتهم جميعا بالمعتقل، فذهبت للسعودية لأداء مناسك الحج، وكنا حينها في شهر رجب، وهناك أخبروني بأن أنتظر إلى ذي الحجة، فذهبت لأفغانستان لتزجية الوقت، وهناك بدأت علاقتي بالقاعدة، حيث قابلتني الراقصة التي جرستني، وقد سبقتني بالتوبة والزواج من أحد المجاهدين الأفغان من أصل مصري، فتصالحنا وسقطنا في بحر الحب والحرمان، وتركت زوجها بعدما أقنعته بعدم عذريتها، وتزوجنا وعدنا للقاهرة، وأدرنا الكباريه سويا، وجنينا أرباحا ضخمة.


(2)
داعش ليست بداية المطاف، فعلاقتي بالقاعدة قديمة، بدأت قبل ثلاثين عاما ونيف، وقبل أن أتعرف على الراقصة، حاربت لعامين ضمن صفوف المجاهدين الأفغان، ضد القوات الروسية في شتاء عام 1978، ثم ذهبت إلى نيسابور فتتلمذت على يد الشيخ المجاهد أبي الأعلى المودودي، في أحد الكهوف التي استأجرتها بقانون الإيجار الجديد، أشرف على تدريبي هناك صفوة من نخبة المعارضة المهاجرة، وتولى الكابتن أبو فريخة مهمة إعدادي للتباكي أمام الكاميرات، وكان مدرب حمل السلاح، صاحب القلم الجريء السيد عاصم عبد الماجد.


(3)
عشت في سعادة مع الراقصة لسنوات لم أحسبها، وغرقنا معا في اللذات والأموال وزجاجات الخمر، التي كانت تصر على غسل فوارغها، وملأها بمياه الصنبور والاحتفاظ بها في الثلاجة، مما جعلها تتربع على عرش قلبي كزوجة عملية، توفر زجاجات المياه من فوارغ الخمور.


اتفقنا على عدم الإنجاب حتى يتدارس كل منا الآخر، ويعرف أخلاقه جيدا، كي لا نُنجب أطفالا يتعذبون مثلما تعذبنا، حتى جاء يوم وأخبرتني بحملها، فثرت عليها واتهمتها بخيانة العهد، فلم تبالِ، ففقدت صوابي وأقسمت أن أفتك بها، وكسرت زجاجة خمر، وطعنت عنقها برقبة الزجاجة، فسقطت غارقة في دمائها، وبينما تنازع الموت، أخبرتني أنها لم تخن العهد ولم تحمل منّي كما اتفقنا، وإنما من أحد الزبائن، ثم أسلمت روحها، فعضضت أصابع الندم، وشعرت بظلمي لها وتسرعي، وبكيت كما لم أبكِ من قبل.


(4)
سألني وكيل النيابة في التحقيق: هل قتلت المجني عليها لظنك أنها حملت منك أم ليقينك أنها حملت من أحد الزبائن؟!


فبكيت حتى ابتلت سكسوكتي، وقلت له: ما بحبش الأطفال.


فأمر بحبسي خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق، وفي الحجز قابلت شخصا جالسا في ركن مظلم من الحجرة، تبدو عليه سمات الوقار، ويقف أمامه تابع يغني له : أنا مش عارفتي، أنا تهت مني، أنا مش أنا.


فلما سألت عنه أخبروني أن الجالس الوقور اسمه البديع، والراقص المغني اسمه تتّح وشهرته أبو السطوح، وهو تاجر بطاطين شهير، كان كلما سأله أحدهم عن وجهته، يجيب: أنا أقطن السطوح، وأمتلك شقة وعمارة وفيلا، فاشتهر بكنية أبي السطوح.


فتعارفنا ودشنّا صداقة فيما بيننا، ودخلت مرحلة جديدة وجدية من العمل السري السياسي المسلح، وبدأت علاقتي بتنظيم القاعدة تتوطد أكثر فأكثر.


(5)
حُكم علي بالسجن عشرة أعوام، وتم إيداعي بعنبر السياسيين بسجن شديد الحراسة، وكان معي في السجن السيد البديع وأبو السطوح وإسماعيل الجرنواني وأحد دوبليرات الفنان محيي إسماعيل. تقربت من أبو السطوح وصار قدوتي ومعلمي، وقضيت فترة سجني فى طلب العلم، تعرفت خلالها على مبادئ الجماعة، وقرأت كتب تاريخهم وأدبياتهم وتفاسيرهم وشروح التفاسير وتفاسير الشروح، وتلخيص التفاسير وتفاسير الملخصات، وفي المساء كنت أختلس قراءة بعض الكتب الجنسية .


توطدت علاقتي بأبي السطوح، وكان يمتلك ساعة ببندول، يسهر طول الليل في تحريك رقبته يمنة ويسرة في متابعة البندول، وكان يضع بطبق الطعام الواحد ملحا وسكراً، وفي الصيف يرتدي بالطو صوف برتقالي اللون وفوقه فانلة داخلية، فاحترت في أمره وطالبت بنقلي إلى عنبر السيدات، ولكن إدارة السجن رفضت قطعيا الفكرة، لعدم وجود سيدات بالسجن.


خرج أبو السطوح من السجن بعد عامين، وأكملت مدتي في صبر و مثابرة على تلقي العلوم، وكنت أكثر المسجونين بأسا وصبرا واحتسابا لمعاناتي، وفهمت أن الله يعاقبني لظلمي زوجتي التي أزهقت روحها بغيا بغير حق.


(6)
بعد قضاء مدة العقوبة خرجت منهارا متحسرا على شبابي، فوسوس لي الشيطان بالعودة لطريقي القديم، فعدت للكباريه، وكانت المفاجأة، وجدت زوجتي القتيلة حية تُرزق، ترقص  كما هى بشحمها ولحمها، وظننت أنني أصابتني لوثة، فلما نظرت إليها مليا لاحظتني وارتبكت، وأنهت فقرتها وهربت إلى الكواليس، سألت عنها إدارة الكباريه، فعلمت أنها اختفت لفترة ولجأت للتنكر، وغيرت اسمها من الراقصة لواحظ إلى المطربة لواحظ.


تتبعتها لمدة شهر من كباريه لكباريه، حتى وجدتها تدخل حارة ضيقة بقرافة المماليك، ودخلَت منزلا قديما، فصعدت وراءها وطرقت الباب، وكانت المفاجأة الثانية، فإذ بأبي السطوح يفتح لى الباب مرتدياً روبا برتقاليا يكشف عن ساقيه، مفتوح الصدر وبيده سيجار فخم، فانهرت وسقطت مغشيا علىّ، ولما أفقت طلبت ليمونا بالنعناع، وصممت أن أفهم الحقيقة. 


وعلمت أنها لم تمُت، وأن أبا السطوح اتفق معها لتلفيق الجريمة لي، كي يتزوجها، وألقيا بي في السجن ظلما، فتركت الجماعة وتبت عن فكر القاعدة وعدت للكباريه، وتوطدت علاقتي بلواحظ مرة أخرى بعدما شعرت بإثمها واعتذرت لى عن خطأها، ونالت طلاقها من أبي السطوح، وقررنا الزواج ثانية، واتفقنا على عدم إنجاب أطفال سواء منّى أو من الزبائن، وهنا ساءت علاقتي بتنظيم القاعدة لفترة طويلة، وأيقنت خطأ منهجهم وضعف حجتهم وسوء عاقبتهم، وعدت للكباريه بضمير مستريح.



(7)
ازدهر الكباريه وراجت بضاعته، ورُزقت أنا وزوجتي على قدر اجتهادنا، وحققنا أرباحا طائلة، فتقربت إلى الله، وقلت لها: إن الله رزقنا الخير الوفير، ووجبت علينا طاعته، فاقتنعت وارتدت الحجاب دون نقاش.


بدأنا مرحلة جديدة من الالتزام، مما جعل الزبائن الراغبين في الهداية، يأتون إليّ بعد نمرة لواحظ، كي أساعدهم فى اتباع طريق الخير، وبدأ نشاط الكباريه الدعوي يزداد، مما جعل أعين جهاز الأمن تعرف طريقها إلىّ، وبدأت إدارة النشاط الديني بالجهاز في مراقبة الكباريه، فلجأت إلى حيلة لصرف أنظارهم عني، وقمت بتغيير اسم الكباريه إلى "كباريه الوطن".


بدأت ألاحظ وجوها غريبة تتوافد على الكباريه، علمت أن بعضهم تابع للأمن وأن أغلبهم من أصحاب النشاط السياسى، بدأت النقاشات السياسية تطغى على أجواء الكباريه، بين الفقرات والنِمَر، فتحول الكباريه إلى برلمان صغير، مما جعل لواحظ تشعر بالخوف، فبدأت تطالبني ثانية بالإنجاب، كي لا تضيع ثروتنا هباءً فاقتنعت بالأمر.


(8)
فى ليلة عصيبة، تحول النقاش السياسي بالكباريه، إلى منحى خطير، فقام أحد الزبائن المنتمين لليسار ثائرا وصرخ فى طاقم البار، كيف تقدمون لنا الخمر مخلوطا بالماء، هذا غش وانتقاص من حقوق الفقراء، أنتم تقدمون خير بضاعتكم للأثرياء، جميعكم فاسدون، ده اسمه إيه؟!


فرد أحد الزبائن الملتحين: ده غش.. ورددها آخرون: أيوة ده غش.. ده غش.


تصافينا جميعا وتعاهدنا على الصلح، واحتفاءً بالمناسبة، قررنا تأسيس تنظيم باسم (ده غش) وهذا هو الأصل الحقيقي لاسم داعش، الذي تم تحريفه من "ده غش" إلى "ده عش" ثم "دا عش" فعادت علاقتي بالقاعدة والجهاد مرة أخرى، وبدأت أستغل الكباريه لتمويل التنظيم، وارتدت لواحظ النقاب، واستمرت في عملها سرا لتمويل التنظيم.


انتهت علاقتي بالقاعدة، وبدأت علاقتي بداعش.


هذه عَبَرات بسيطة، تسطر بشاعة ما تعرضت له من ظلم واضطهاد فى بلادي، جعلني أستقر على طريق النور بأعالي جبال الشام، أستلهم الحكمة من وجه مولانا أبى بكر البغدادي.