التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 07:03 ص , بتوقيت القاهرة

تصدي نظيف للإرهاب وجهل العادلي بالقانون يبرئهما في "اللوحات"

أصدرت محكمة جنايات القاهرة حيثيات حكمها ببراءة رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد نظيف ووزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اللوحات المعدنية". 


وبدأها رئيس المحكمة المستشار بشير عبد العال الحكم مستشهدا بقول النبي محمد "قد يكون أحدكم الحن بحجته من أخيه فأقضي له بها فإنما أقضي له بجمرة من نار فليأخذها أو يتركها".
 
نظيف تصدى للإرهاب


فيما نسب لنظيف من إسناد توريد اللوحات المعدنية بالأمر المباشر لشركة أوتش الألمانية، ذكرت المحكمة في حيثياتها، أن الفقرة الثانية من المادة الثامنة بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998، أجازت لرئيس مجلس الوزراء في حالة الضرورة أن يصرح لجهة بعينها لاعتبارات يقدرها ترتبط بطبيعة عمل ونشاط تلك الجهة، بالتعاقد بطريق المناقصة المحددة أو المناقصة المحلية أو الممارسة المحدودة أو الاتفاق المباشر، وفقا للشروط والقواعد التي يحددها.
 
تقدير حالة الضرورة المقررة لرئيس مجلس الوزراء منوطة به، لكنه يخضع لرقابة القضاء في ذلك؛ لتقدير توافر حالة الضرورة من عدمها، والمحكمة رأت أن "نظيف" قدر وجود ضرورة ترتبط بعمل ونشاط إدارات المرور على مستوى الجمهورية، فصرح لوزارة المالية بالتعاقد مع شركة أوتش الألمانية بالاتفاق المباشر - بحسب الحيثيات.
 
ورأت المحكمة أن نظيف أراد من ذلك تأمين المواطن المصري من المخاطر، التي تمثلت في الأعمال الإرهابية التي كانت تتم بسيارات مسروقة، وبلوحات معدنية مسروقة أيضا، حيث كانت السرقات الكبرى تتم بسيارات تحمل تلك اللوحات المسروقة "القديمة"، أما لو سرقت سيارة تحمل اللوحات الجديدة فإن سارقها لا يستطيع السير بها؛ لصعوبة فكها؛ كون المسامير التي تثبتها لا تفك إلا بالكسر، فهي على شكل "برشام" لا يمكن فكه بعد تركيزه إلا كسرا، ومزود على رأس هذا "البرشام" علامة مائية يتم الكشف عنها بجهاز صغير، يحمله ضابط المرور؛ للتأكد من تأمين اللوحات أيضا. وزادت أعداد السيارات الجديدة خلال السنوات الماضية، وكان عدد أرقام السيارات القديمة 6، فكان لزاما أن يضاف رقم آخر، ما كان سيصعب الأمر على رجال الشرطة المرورية، فلذلك وجب تعديل هذه اللوحات - بحسب الحيثيات.
 
خبرة الشركة الألمانية

تابعت المحكمة أن التعاقد مع تلك الشركة الألمانية كان لخبرتها وامتلاكها خط إنتاج ليس  في مصر مثيل له، بالإضافة إلى ندرة الشركات التي تعمل في هذا المجال، كما أن هناك سرية واجبة عند التعاقد على تصنيع اللوحات المعدنية؛ لتأمين البلاد حتى لا ينكشف أمرها؛ لأن لها تأمينا تمثل في الأفرخ المرققة العاكسة التي تغطيها حتى لا يكتب عليها، ولتعكس الضوء لمساعدة  رجل المرور على قراءتها؛ فضلا عن تأمينها بعلامة مائية محفورة بالليزر، وهو غير متوفر في مصنع "قادر" و"شركة النحاس" المصريين.

المحكمة أوضحت أن اللوحات مزودة بشريط فضي بالهيلوجرام لتأمينها، ويتم سك اللوحة بالأرقام والحروف طبقا لاحتياجات إدارات المرور، ثم تغطى بأفرخ المرآة السوداء حتى لا تزور أرقامها أو يتم العبث بأحرفها والبيانات الموجودة عليها، ثم تزود على أحرفها وأرقامها بكلمة جمهورية مصر  العربية زيادة في التأمين، وهي أمور يصعب تصنيعها خارج الشركة الألمانية.


وعن جريمة التربح وتسهيل الاستيلاء والإضرار العمدي الجسيم المنسوب للمتهمين، فإن هذه الجرائم جميعها تتطلب من بين ما تتطلب قصدا جنائيا، ففي جريمة التربيح يتعين اتجاه الإرادة إلى الحصول على ربح للغير، فيتدخل الموظف في العمل عن علم بأنه مختص بإدارته والإشراف عليه وأن تنصرف إرادته إلى تظفير الغير بربح بغير حق.
 
فيما يخص تسهيل الاستيلاء على المال العام، قالت المحكمة إن هذه الجريمة لا تقع إلا إذا انصرفت نية الجاني وقت تسهيل الاستيلاء على المال إلى أن يتملك الغير هذا المال، وعن جريمة الإضرار العمدي فقد استلزم المشرع توافر القصد الجنائي ايضا وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الإضرار بالمال ولا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال.
 
بطرس غالي المسؤول
 
والمحكمة من خلال مطالعاتها أوراق الدعوى ومستنداتها لم تجد ظلا لهذه القصود الثلاثة يخص نظيف والعادلي، فالمتهمان لم يتعاقدا مع شركة أوتش الألمانية بخصوص هذه اللوحات، ولم يحددا سعرا لها ولم يشاركا في تحديدها، لأن من تعاقد وحدد السعر هو وزارة المالية ممثلة في شخص وزيرها يوسف بطرس غالي،  السابق الحكم عليه من خلال مصلحة سك العملة المصرية التابعة له، وذلك حسبما هو ثابت من المذكرة التي أرسلها ذلك الوزير في 1 يونيو 2008 برقم 1362 إلى حبيب العادلي أيا كانت وجهة النظر في تلك الأسعار.


وأيضا حسبما أقرت به بالتحقيقات أمينة محمود حافظ، مساعدة وزير المالية للعلاقات الخارجية، من أن بطرس غالي هو الذي أعد بنفسه المذكرة المؤرخة في 2 ديسمبر 2007، التي صدر بناءا عليها الأمر المباشر، وكانت تشتمل على تحديد الأسعار، وقد طلب منها كتابتها على جهاز الحاسب الآلي، وأنه هو الذي وضع سعر اللوحات الواردة بها.
 
العادلي جاهل بالقوانين

عن الجريمة التي اختص بها حبيب العادلي، الخاصة بأمر تحصيل أموال لها صفة الجباية وأخذ أموالا غير مستحقة إعمالا للمذكرة 1962 المار بيانها والتي أرسلها إليه وزير المالية السابق الحكم عليه، وتولى هو أمر تنفيذها فحصّل مبلغا قدره 100 مليون و564 ألف جنيه، مع علمه بذلك، فقد أشارت المحكمة في حكمها بالبراءة، إلى أن هذه الجريمة عمدية يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي، وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الأخذ مع علمه بأن المأخوذ غير مستحق للحكومة، والثابت بالأوراق، وما تطمئن إليه المحكمة أن المتهم حبيب العادلي، كان يجهل ذلك لعدم إلمامه بأحكام القوانين المالية وهو ما ينفي عنه ذلك القصد.
 
وانت النيابة العامة قد قررت ندب الخبيرين الحسابيين بإدارة خبراء الكسب غير المشروع والأموال العامة، السابق انتدابهما في اللجنة الأولى؛ لاحتساب قيمة ما تم تحصيله بمعرفة إدارات المرور المختلفة من المواطنين أصحاب السيارات، عند صر ف اللوحات المعدنية الجديدة لهم، على اعتبار أنها تغطية نفقات إدارات المرور، والتي كانت تنفيذا لما ورد بخطاب وزير المالية رقم 1362 في 1 يونيو 2008، وانتهى الخبيران إلى أن إجمالي قيمة المبالغ التي تم تحصيلها حتى تاريخ البيان الصادر من الإدارة العامة للمرور، في 5 مارس 2011، هو  100 مليون و364 ألف جنيه.

وأفاد وزير الداخلية اللاحق في الكتاب رقم "3366" بتاريخ 8 فبراير 2014 الموجه لرئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء، بأن جميع المبالغ التي تم تحصيلها من المواطنين، تمت إضافتها تباعا منذ يوليو سنة 2008 حتى تاريخ إرسال الكتاب. وأضيفت بمعرفة الإدارة العامة لحسابات الشرطة لحساب وزارة المالية بالبنك المركزي، بما في ذلك مبلغ 321.8 مليون جنيه، الفارق بين تكلفة ما تسلمته وزارة الداخلية من مصلحة سك العملة من لوحات معدنية، والمسدد من وزارة الداخلية في هذا الشأن، وأيضا المبالغ التي حصلتها الداخلية من المواطنين؛ لتغطية تكاليف إدارات المرور على نحو ما تضمنه كتاب وزير المالية الأسبق 1362 في 1 يونيو 2008.
 
وكانت النيابة قد نسبت لنظيف إصدار أمر مباشر بناءا على المذكرة التي حررها وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، للتعاقد مع شركة أوتش الألمانية؛ لتصنيع وتوريد اللوحات المعدنية لمركبات جمهورية مصر العربية، وكان هذا التعاقد من قبل وزير المالية الأسبق بناءا على الأمر المباشر، الذي أصدره المتهم الأول رئيس مجلس الوزراء.


ووجهت النيابة لنظيف والعدلي تهم، تظفير تلك الشركة بمنفعة الحصول على هذه الصفقة بمبلغ مغالى فيه، والذي بلغ مقداره 22 مليون يورو، بما وعادل 176 مليون جنيه مصري، كما سهلا للشركة الألمانية الاستيلاء بغير الحق على أملاك جهة عامة، واستغلا اعمال وظيفيتهما في إسناد تلك الصفقة لتلك الشركة، على خلاف القواعد المقررة بمبلغ مغالى فيه، ما مكن ممثل هذه الشركة من انتزاع قيمة الفارق بين سعر اللوحات المعدنية التي تم توريدها، وبين السعر السوقي للوحات المماثلة لها وقت الإسناد، والذي يقدر بـ 92 مليون و561 ألف جنيه، وذلك بنية تملكها.
 
كما نسبت النيابة لهما، الإضرار العمدي بأموال الغير، المعهود بها لجهة عملها، بأن حملا المواطنين طالبي الحصول على تراخيض تسيير المركبات لدى إدارات المرور، ثمن اللوحات المعدنية التي تم توريدها بأثمان مغالى فيها، رغم تحميلهم مبالغ التأمين عنها، وذلك على خلاف أحكام القانون. وأفردت النيابة للمتهم حبيب العادلي تهمة رابعة وهي تحصيل أموال لها صفة الجباية.