بروفايل| مصطفى أمين .. أسطورة الصحافة المتهم بالجاسوسية
توأمان ولدا في يوم 21 فبراير من عام 1914، تربيا في بيت الزعيم سعد زغلول أو "بيت الأمة" -كما يُطلق عليه-، داهمهما عشق الصحافة منذ طفولتهما، فقدما في سن 8 سنوات مجلة "الحقوق"، التي اختصت بأخبار البيت، تلاتها مجلة "التلميذ"، التي هاجما فيها سياسات الحكومة، ثم مجلة "الأقلام"، ولاقت جميعها مصير واحد ألا و هو الإغلاق.
قبل أن يتخطى أحد التوأمين المرحلة الثانوية، تم تعينه نائبا لرئيس تحرير مجلة روزاليوسف، ثم انتقل للعمل في مجلة "آخر ساعة"، ومنها إلى دار الهلال، قبل أن يسافر إلى أمريكا لاستكمال دراسته، ويحصل على ماجيستير العلوم السياسية عام 1938، وبمرور عام حُكم عليه بالسجن لمدة 9 أشهر مع إيقاف التنفيذ، بتهمة العيب في ذات ولى العهد الأمير محمد علي، والغى الحكم بعد ثلاثة أعوام في عهد وزارة النحاس باشا.
عاد إلى مصر وعمل مدرسا لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات، وكانت المثابرة و الإصرار و السعى وراء الخبر والبحث عن الجديد، أكثر ما تميز به، و أكثر ما ساعده على أن يؤسس هو و أخيه جريدة جديدة باسم "أخبار اليوم" عام 1944، التى كان حلمًا بالنسبة لهما.
وكما منحته الصحافة، التي ارتضاها أن تكون هي الحياة بالنسبة له، النجاح والشهرة، منحته الأزمات بهذا القدر، فطاردته الاتهامات حول مصدر تمويل أخبار اليوم، وحول علاقته بالملك فاروق، وهل كان القصر يدفع له أموالا للجريدة لمهاجمة حزب الوفد؟، والتي رد عليها بقوله:"الصحافة الحرة تقول للحاكم ما يرده الشعب، ولا يجب أن تقول للشعب ما يرده الحاكم".
وبعد الإطاحة بالملكية، لم تخف وطأة المواجهات السياسية بينه وبين السلطة، بل ازدادت سوءا، حيث اعُتقل هو وأخيه صباح يوم 23 يوليو 1952، ولكن لم يُوجه لهما إتهامات، وخرجا بعد ثلاثة أيام، ثم تم القبض عليه مرة أخرى عام 1965، ولكن كانت هذه المرة بتهمة التجسس لصالح المخابرات الأمريكية "cia".
‘‘لأن الحياة لاتتوقف أبداً .. إنما تتجدد دائماً, كل شيء فيها يتغير ويتبدل
البشر يولدون ويموتون .. الأبنية تشيد وتنهار .. الزهور تتفتح وتتبدل
الدول تقوم وتسقط .. كل شيء يتغير .. كل شيء يتبدل
إلا معاني بعض الكلمات ..
الحرية تبقى دائماً حرية .. الطغيان يبقى دائماً طغيان .. العدل يبقى دائماً عدلاً .. الظلم يبقى دائما ظلماً
ويجيء العادلون والطغاة ويذهبون, ويظهر أنصار الحرية وأعوان الإستبداد
ويختفون, وتشرق شمس الديمقراطية وتغيب, ويجثم ظلام حكم الفرد
ثم يطل نهار حكم الأمة, ويعلق الأحرار في المشانق، ويجلس الظالمون في مقاعد السلطان، كل شيء يتغير, يولد ويموت, يكبر ثم يتضاءل،
ولكن الشعب دائماً لايموت !”
هي كلمات كتبها في محبسه، إلى جانب مئات الرسائل الأخرى، التي جمعها في كتابه "سنة أولى سجن" بعد الإفراج عنه، وكادت تلك الكلمات أن تنطق من هول ما وصفه وتحدث عنه من عذاب وإهانة وذل، عانى منه بين جدران السجن.
وكان رده على التهمة الموجهة له، ووفقا أيضَا لما أفصحت عنه ابنته، أنه كان مكلفا من الرئيس جمال عبدالناصر باستمرار الاتصال مع الولايات المتحدة، وكانت القيادة تمده بما ينبغي أن يقوله لمندوبي أمريكا، على أن ينقل لهما ما يقوله الأمريكيون، وعندما ساءت العلاقات بينه وبين عبدالناصر، قبضوا عليه وحاكموه.
وبعد سنوات طويلة من القضية، التي أثارت جدلا كبيرا .. يظهر "الثعلب" أو الفريق محمد رفعت جبريل، رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق، مرة أخرى متحدثًا عنها : "كان كاتبا عظيما و سيبقى، و كان شخصية محببة من الجميع، ولكن كانت سقطته الوحيدة هي تعامله مع المخابرات الأمريكية وقبوله التجسس على بلده". ويقول أيضا :"قمنا بتسجيل اجتماعاته مع الضباط الأمريكان بالصوت والصورة، وكانت تضمن إعطاءهم بعض المعلومات الخطيرة، وهو ما يعرف بالتجسس حتى لو كان له غطاء صحفي، وإدعائه أنه مكلف من الرئيس عبدالناصر لإجراء مثل هذه الاتصالات، أنكره الرئيس تماما".
وأكد أنه لم يتم إهانته داخل السجن، بل تعامل معه الجميع و على رأسهم صلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات العامة آنذاك، بكل إحترام؛ فهو لم يكن صادقا فى روايته.
لم يقتصر الغموض الذى صاحب حياة هذا الرجل على الجانب السياسى فقط، ولكن طال حياته الشخصية، فكشفت المؤرخة رتيبة حفنى، عن أنه لم يكن فقط أقرب الصحفيين للسيدة أم كلثوم، لكنه تزوجها سرا لمدة 11 عاما، وهو ما دفعها للتوسط له عند الرئيس للإفراج عنه، وذلك رغم أنه كان متزوجًا و لديه ابنتين.
وفى 27 يناير 1974، وبعد مرور 9 سنوات له داخل السجن، وقع الرئيس السادات قرارًا بالأفراج الصحي عنه، وسط مجموعة من القرارات الرئاسية الخاصة بالإفراج عن الجواسيس الإسرائيليين والأمريكيين في إطار عملية تبادل الأسرى حينها.
"وبعد الإفراج عنه، لم يجرؤ على رفع دعوى لتبرئة ساحته من تهمة التخابر ضد مصر، رغم أنه ملأ الأجواء بالحديث عن تعرضه للتعذيب أثناء استجوابه من رجال صلاح نصر أو فى سجنه" .. هذا ما ذكره عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه "بين الصحافة و السياسة".
هو مصطفى أمين، أحد أعمدة الصحافة المصرية، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، لاحقته الأزمات و الاتهامات طوال حياته، ولازالت تطرح الاتهامات علامات استفهام داخل عقول آمنت بأدلة إدانته، وأخرى أحبت كتاباته، ورأته رجلا وطنيا.
توفى مصطفى أمين في 13 إبريل 1997، ليلحق بتوأمة علي أمين، الذي سبقه عام 1976.