الإعلام والدولة الإسلامية.. كيف تحمون الفكرة وتدينون حامليها!
مجلة الأهرام العربي وضعت عنوانا على غلافها يقول "مصر تعلن الحرب على الفجار"، تقصد تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
صحيفة الأخبار في صفحاتها الداخلية خبر عنوانه "تصفية 18 من كفار بيت المقدس في قصف جوي جنوب الشيخ زويد".
أما قناة الجزيرة القطرية فتشير إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بمسمى "تنظيم الدولة"، وليس تنظيم الدولة الإسلامية كما يسمي نفسه، ولا تنظيم داعش كما يسميه خصومه.
تلك المنزلة بين المنزلتين هي مفتاح فهم اللخبطة الإعلامية في هذا الموضوع، فهم السعي الحثيث من الإعلام الرسمي للتغطية على علاقة داعش بصفة "الإسلامية"، فهم أصولها النفسية والفكرية في المجتمعات المسلمة. لا نريد أن نصدق أن هذه تصرفات "إسلاميين"، لا نريد أن نربطها بالإسلام، ولا نريد أن نربطها بالدولة الإسلامية التي طالما تغنى بها خطباء المساجد والتليفزيونات، ونسبوا إليها جواهر السلوك والتصرفات. نسميها اسما فزوريا، مبهما، بلا معنى، "داعش". البطيخة يعني. أو نبالغ في إبعادهم عن الإسلام، بألفاظ الكفار، والفجار. أو بالنسبة لدولة مقربة منهم كقطر، نكتفي بنزع اسم الإسلامية من التسمية الرسمية للتنظيم والاكتفاء بـ"تنظيم الدولة".
الأزهر يخرج ليقول إنهم ليسوا كفارا.. فنهاجم الأزهر، الذي نسميه في ظروف أخرى قلعة الإسلام.
تنظيم الدولة الإسلامية يؤصل لكل فعل يفعله بأدلة من كتب التراث، وبسابقات من أفعال الصحابة والقادة الإسلاميين، فنتظاهر بأننا "مش من هنا". ونقول إن التنظيم لا يعرف الإسلام الصحيح.
الإنكار لا يفيد. الإسلام دين نزل في عهد السيوف، فمن أين يأتي بأحكام إعدام لا تشمل السيوف، والإلقاء من شاهق، والحرق، وأحكام جنائية لا تشمل القطع والبتر. كما أنه نزل في عهد كان العبد والأمة يقومان مقام الآلة، يقومان بمقام الغسالة، والمكنسة، والحفار، والتليفزيون (أعمال التسلية)، والمروحة، والتكييف، وأحيانا السيارة، وسيارات النقل..
إن كنا نستطيع أن نستغني عن ذلك الآن، مرة واحدة، لاستطاع الإسلام أن يستغني عن العبودية ويحرمها.
ما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية داعش ليس بعيدا عن الإسلام كما تدعون، ولا بعيدا عن الدولة الإسلامية التاريخية، وحين نقول ذلك لا نقدح في دين الإسلام، وإنما نهدم فكرة الإسلام السياسي، الفكرة القائمة على أساس استيراد أحكام الإسلام كما هي وتطبيقها على البشر في هذا الزمن، دون اعتبار لتغير المجتمعات.
تنظيم "الدولة الإسلامية" يقدم لنا فرصة ذهبية لكي يرى الناس "الدولة الإسلامية"، على حقيقتها، وهذا يستلزم أن نسمي الأشياء بأسمائها. هذا هو تنظيم "الدولة الإسلامية". رأينا الإسلاميين في المعارضة، حين كانوا "الجماعة"، والآن نراهم في السلطة، حين صاروا "الدولة".
على الجانب الآخر، التلاعب بالألفاظ لإبعاد تنظيم الدولة الإسلامية عن الإسلام، سواء من قبل أعداء التنظيم الذين يسمونه داعش، أو من قبل أصدقائه الذين يسمونه "تنظيم الدولة"، يعني شيئا واحدا: مزيد من التدليل والحماية لفكرة الإسلام السياسي، لكي تظل سيفا فوق رقابنا، ورقيبا حتى على رقبائنا.
يا سادة إنكم تحمون الفكرة وتدينون حامليها.