التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 03:54 م , بتوقيت القاهرة

ضربة كشف الأوراق

يوم مجيد في تاريخ مصر وتاريخ العسكرية المصرية.. بالضربة الجوية المصرية لمعاقل تنظيم داعش ورفاقه بالأراضي الليبية، فجر الاثنين 16 فبراير 2015، يكون الربيع العربي قد دخل رسميا مرحلة جديدة من الصراع العسكري الصريح، دون ساتر من شعارات ثورية أو إصلاحية.



فضربة عسكرية موجهة من إحدى دول الربيع العربي إلى أراضي جارتها ممن استنشقت عبيره، تعني مباشرة اتساع الشق بين الشعارات الموحدة لثورات العرب المتعاقبة، وبين ما خلفته هذه الثورات على أرض الواقع من أنماط مستجدة، فالشيء الموحد في تلك الثورات جميعها، هو وضع شباب هذه الدول المحمل بالشعارات البراقة في مواجهة قواتها الأمنية والعسكرية بشكل مستمر وبأسباب غير منطقية في أغلبها، ولا تساوي جميعها فاتورة تخريب البلدان التي دفعتها تلك الدول.


وبهدف نهائي لهذه المواجهات هو خلق مجال لتصعيد الإسلاميين والمتطرفين لسدة الحكم، استكمالا لانهيار هذه الدول من ناحية بمشاريع الإسلاميين الرجعية، وبدافع إعادة إسلاميي الغرب المطاردين إلى بلدانهم الأم، والتي ستتحول بعودتهم إلى مستنقع إجرامي يصعب الخلاص منه.. بضربة الاثنين الماضي أصبحت العسكرية الوطنية التي تقود مصر في  صراع مباشر ومُعلن بالحكومات الإقليمية والفصائل الإسلامية المسلحة التي تقتسم أراضي ليبيا فيما بينها.


كُتبت هذه الرؤى من قبل مرات عديدة، أن أهداف الربيع المعطوب لن تخرج عن إنهاك هذه الدول وجرها للخلف، لتمرح شعوبها في تخلف القرون الوسطى والحروب الأهلية، كذلك خلق مناخ يصعب معه تحقيق الاستقرار مرة أخرى، والأمر الآخر هو تدمير ممنهج لجيوش واقتصاديات هذه الدول بجرها نحو صراعات داخلية وخارجية تقضي على قواتها المسلحة وشرطتها الأمنية، وتسليط الضوء على جيوشها باعتبارها المانع الأبرز ضد تحقيق الديموقراطيات، التي ستنعم بها شعوب الربيع الحاملة للسلاح، ولكن قوبل الأمر كما يقابل الآن بسلاح التهوين والسخرية.


في مصر استطاع الجيش المصري الحفاظ على وحدته أولا، والبعد- قدر الإمكان- عن التورط في صراعات خارجية تُفرض عليه، مع تأجيلها إلى موعد لا يحدده خصومه، ورغم توالي استفزازات ومهاترات رواد الربيع بالداخل والخارج، ظلت المعركة مؤجلة، فالتمهيد عبر اشتباكات المولوتوف والخرطوش لفترات طويلة ومستمرة، بافتعاليات متوالية، بغرض الإنهاك الأمني والعسكري، كان بهدف إفراغ هذا الجيش من أية روح قتالية أو وطنية يمتلكها أفراده، حتى إذا ما حل موعد الصراع الأكبر، يكون الجيش في قمة إنهاكه، فيسرع بالسقوط.


قد يكون هذا التفسير المؤامراتى البدائي من الأمور التي تُضحك الأخوة من أهل الثورة المستمرة، وهي ضحكة مصطنعة على أي حال، اعتدنا عليها كآلية من آليات عملهم السياسي، وله أدلة في كتابات "جين شارب"، وتتشابه ضحكتهم بعض الشيء مع ضحكة الإخوان الصفراء الملتحقة بتقيتهم السياسية. 


لكن بنظرة بسيطة على مجريات أحداث الأيام الثلاثة الأخيرة، تجد تعقيبات الشباب الطاهر بحسب الوصف الذي أعجبهم وصدقوه، تدور جميعها في الاجتهاد  لإلصاق الجرائم بالجيش، وبشكل فج يضع كثير منهم داخل خانة التآمر بلا شك.


فمع حادث ذبح واحد وعشرين مصريا في ليبيا على يد داعش، خرجت دعوات موحدة من نشطاء الإنترنت، تدور حول أكليشيه "الدم المصري الرخيص" للمواطن الذي لا يجد له نصيرا في وطنه ولا كرامة بخارجه، وانتشرت محاولات التحقير من شأن فاعلية الإدارة المصرية، وراجت مطالبات متناثرة من اللجان الإلكترونية لدفع مصر للقتال في ليبيا، ثأرا لدماء الشهداء، واعتبار حديث رئيس الجمهورية بشأن احتفاظ مصر بحق الرد، مجرد تهويش بعيد عن نطاق الفاعلية.



كذلك عملوا على العبث بورقة الطائفية وتأجيجها، وترويج غضب أهالي شهداء ليبيا نحو الدولة، ومعايرة الأقباط بتأييد 30 يونيو ومن بعدها انتخاب السيسى رئيسا! يخرج هذا من أنماط تم الترويج لها باعتبارها الأطهر فوق هذه الأرض، فكيف يكون فعل الأفراد الأكثر دنسا في بلادنا؟!


انتشوا تماما بما قدموه، وقد أصبح هؤلاء على مفاجأة خبر الضربة الجوية المصرية لمقرات داعش بدرنة الليبية، ولكون هؤلاء قضيتهم الأولى هى ذاتها قضية الربيع العربى، فقد استمروا على منوال إنهاك الجيوش، بترويج الشائعات ومحاولة إظهاره فى موقف صاحب التقدير الخاطئ، أو المعتدي الظالم.


المفاجأة جعلتهم يستمرون في دور "المجنون" فما طالبوا به مساء، اعتبروه جريمة في الصباح، والكرامة التي بحثوا عنها للمصريين ليلا، أصبحت مساندة لقوات حفتر الليبية نهارا، وداعش المجرمة القاتلة تحولت إلى هدف بريء ومنطقة سكنية يقطنها الأبرياء, أما الجيش فبالضرورة مخطئ, وتحولوا بقضيتهم كرفاقهم الإسلاميين إلى قضايا مفتعلة فرعية بالتوازي مع القنوات المعادية للدولة المصرية.



لم تكن مصادفة أن يتوافق منهج النشطاء الطفيلي، مع منهج قناة الجزيرة، من حيث الترويج لصور مزيفة لأطفال قتلوا قبيل شهور في مكان آخر، واعتبارهم من ضحايا عدوان الجيش المصري.. ومحاولة ترويج الضربة الجوية باعتبارها تدخلا في شؤون دولة أخرى. 


وليس مستغربا توافق الوجهة واستخدام نفس آليات كذب العاجزين، بين نشطاء مصريين وقناة الجزيرة، التي كانت أول راع لهم من خلال فيلمها الوثائقي "المدونون" في نهايات عصر مبارك، ثم كراع رسمي لثورة يناير 2011، ثم الآن من خلال دعمهم كمساندين مرتزقة لجماعة الإخوان.


حتى أنه لم يكن غريبا أن ينشر عمرو عبد الهادي عضو الجماعة، صوره قبل أيام بمقر الخارجية الأمريكية بعلامة رابعة، أثناء مفاوضة الإدارة الأمريكية لإسقاط النظام في مصر، ثم يخرج بعد الضربة الجوية المصرية، يتهم السيسي بأخذ إذن أمريكا قبل الضرب!
 
ولن تجد فارقا بين أسلوب الكذب المغلف بسماجة الإسلاميين، وبين أي من نشطاء السبوبة الذين روجوا للضربة بأنها تماثل شحن الستينيات الجماهيري قبل نكسة 67 وذلك بعدما طالبوا بالقصاص للمصريين بليبيا بـ 24 ساعة!


ليس هناك توصيف منطقي شريف لهذه المواقف، التي يعلنها أصحابها ويستبدلونها بحسب مقتضيات الموقف، وبالتوافق مع قنوات الدول المعادية أو الضغوط الأمريكية والأوربية ضد مصر، ولكن قيم ما بعد يناير روجت لأن "التخوين" فعل آثم ومصطلح من مصطلحات العصور البائدة، لا يليق استخدامه بأشخاص يتمسكون بالحداثة والعصرنة، أما معاداة الوطن والتحالف مع خصومه، فهي مجرد اختلاف في وجهات النظر، لا يجب التوقف أمامها كثيرا مهما جلبت من خراب.


على كلٍ  فآثار هذه الضربة الجوية، قد طالت بالداخل أكثر ممن طالتهم بليبيا، وكشفت أوراقا تم تقليب أوجهها سلفا مرات عديدة، وجعلت كثيرين من أهل التقية السياسية، يقلبون ظهر المجن للدولة، ويتبقى فقط في مشهد النهاية أن يجتمع الحلفاء في وضوح لا يمكن المراوغة بعده، أو ادعاء البراءة من الإجرام، مشهد يجمع تحالفهم فى مظاهرات المطرية المسلحة، مع  ترويجهم لرابعة باعتبارها مذبحة للأبرياء، مع من يبشرون بمحاكمة رئيس الدولة دوليا على صفحاتهم الإلكترونية، وسيظهرون حينها فى خندق واحد مكشوف، وأظن هذا المشهد قريبا.