التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:07 ص , بتوقيت القاهرة

بعد ضربة داعش ليبيا.. ماذا تحتاج مصر عسكريا وسياسيا؟

رغم كل مخاطر الضربة الجوية على عصابة داعش، المدعومة قطريا وتركيا، في ليبيا، كان لا بد منها. لأن الجانب المعنوي في هذه الحرب جانب مهم جدا. ولأننا لسنا أمريكا لكي نمتلك رفاهية تأجيل الضربة إلى الوقت الذي نريد، دون أن نخاف على معنويات الشعب، ودون أن نقلق من الجانب الإعلامي في تحالف داعش، الذي يشمل الجزيرة وبعض "النشطاء" ولجان الإخوان والقنوات التركية الناطقة بالعربية، وغيرهم.

لا بد أن نتذكر أن الجزيرة نقلت على الهواء الهجوم السابق على جيشنا في سيناء، وأنها استخدمت صورا مفبركة عقب الرد المصري الجوي على ذبح 21 مصريا، لكي تنقل التركيز من الفظائع التي ارتكبها حلفاؤها الداعشيون إلى الحديث عن "الضحايا المدنيين" الأطفال.

لكن الآن، بعد هذا التمهيد، لا بد أن تفكر القيادتان العسكرية والسياسية في الخطوة التالية.

الخطوة التالية من وجهة نظري هي بناء تحالفات في ثلاثة اتجاهات:

?1- التحالف المباشر:

الدائرة الأقرب، والأوقع، في التحالف. الدول العربية المهددة قائمة طويلة، قادرة على إرهاق خصمها اقتصاديا وعلى تحمل حرب أطول. هذه الحقيقة الأخيرة يجب أن تكون عاملا حاسما في سرعة التصرف. القوة العظمى، أمريكا، من مصلحتها استنزاف القوى المزعجة، وشغلها ببعضها. حلفاء إيران ضد حلفاء الإرهاب السني. لذلك لا نتوقع أن تتعامل بنفس إيقاعنا، ليس لأنها شريرة، إنما لأنها تتعامل بما يخدم مصالحها.

بدأتُ بالتحالف العربي لأنه الأقوى، والأقرب إلى التحقيق، والأهم، أنه المفتاح إلى ما بعده. ما الشرط؟ الشرط أن تتوافر إرادة سياسية، وقدرة سياسية.

قد يقول قائل إن الإرادة السياسية موجودة ومعبر عنها. هؤلاء لا يفهمون الفرق بين الإرادة السياسية وبين التصريحات السياسية. الإرادة السياسية معناها خطوات في الاتجاه. معناها أدوار رسمت. من يقود التحالف، من ينفق عليه، ما حدود تفويضه، وما مساره الجغرافي في التحرك. هل أعددنا العدة الإعلامية لتهيئة الناس؟ هل لدينا الآلة الإعلامية التي تتحين إفشال هذا التحالف، لا سيما في قطر التي عادت إلى تبجح الكذب الإعلامي بعد تغيير القيادة السعودية، أو في تركيا التي منحها الإخوان حلا لأبرز مشكلاتها الإعلامية: عدم التحدث بالعربية.

هذا التحالف لا بد أن يرتكز على مصر والسعودية والإمارات، لكنه لن يمضي قدما دون دولة من المغرب العربي لها مصلحة في دحر الإرهاب، ودون "جزرة" لدى البوابات العربية، العراق وسوريا، نساوم بها القوى الشيعية السياسية على المستقبل بين الاعتدال أو التطرف. هذا وحده يحتاج مقالا وأكثر.

?2 - التحالف الذي لا يلتفت إليه أحد

من أين يمكن أن يأتي السلاح إلى ليبيا؟ ربما من أكثر من طريق، لكن أهمها عن طريق الصحراء الإفريقية، التي كانت دوما ممرا إلى ليبيا. لدينا في إفريقيا فرصة مهمة جدا لتحالف ضد الإرهاب، عنوانها "بوكو حرام"، التي ارتكبت من الفظاعات ما لا يقل عن فظاعات داعش. هل نعلم كم دولة إفريقية صارت الآن ضالعة في مواجهات مع بوكو حرام؟ نيجيريا، النيجر، تشاد، الكاميرون. هذه الأخيرة فقدت أمس فقط خمسة من جنودها في مواجهات مع بوكو حرام.

لدى مصر فرصة فريدة لكي تقود تحالفا مع هذه الدول. لنا مصلحة في مواجهة الإرهاب وخطوط إمداده، ولهم مصلحة في وجود دولة تجمع بين هذه الصفات الأربع: إسلامية، عربية، إفريقية، متضررة بشدة من الإرهاب. هل تعرفين دولة تتوافر فيها هذه الشروط سوى مصر؟

?3 - التحالف المعقد

لو أنجزنا هذين التحالفين لصار التحالف الدولي أوقع، أو على الأقل لصار لمصر فيه نفوذ أوسع. هل هذا مبالغة وطنية؟ لا. لا بد أن ندرك الآن أن الإرهاب قضيتنا نحن، ونحن الذين نتقدم الصفوف. لقد كانت تلك سياسة أمريكا التي أعلنت منذ أيام بوش، والآن هذه ثمارها. إرهاب إسلامي، فليتوجه إلى بيئته، وليحمل المسلمون عبئه، بدل أن يزعج العالم.

لكن، بالإضافة إلى ذلك، فإن دولا كبرى صارت ذات مصلحة مباشرة في هذا التحالف. إيطاليا قلقة جدا مما يحدث في ليبيا، التي تعتبرها حدودها الجنوبية، وأنبوب الطاقة، والمصد الأول لأمواج الهجرة غير الشرعية.

فرنسا تواجه أسئلة داخلية قوية بعد ما حدث مع شارلي إبدو، وبسبب الجالية المسلمة الضخمة التي تعيش هناك، والتي يخشى الفرنسيون من تحولها إلى "عدو من الداخل".

روسيا تخشى من تجدد النزعات الانفصالية في الدول المسلمة، كما تخشى من فقدان الحليف السوري إلى الأبد. هذا عن قلقها. لكنها أيضا تأمل في العثور على موطئ قدم جديد في المنطقة، وربما من مصلحتها أن تشارك في تحالف ينسي العالم الملف الأوكراني قليلا.

الكلام سهل، لكنني وصفت هذا بالتحالف المعقد لأن الفعل صعب. تباينات المصالح تحتاج إلى دولة ذات سلطة لكي تبني التحالف، كالولايات المتحدة، وهذه لن تفعل ذلك إلا بإيقاعها كما أسلفت. إنما في السياسة يجب أن نتحرك إلى الأمام، وأن نخلق أمرا واقعا، وأن نخرج ببعض المكاسب إن لم ننجح في الحصول عليها كلها. بناء التحالف العربي، والإفريقي، والتفاهم مع الدول الأوروبية المتضررة، سيخلق رافعة سياسية تقربنا من الهدف.

الأمم التي لا تخاطر لا تتقدم.