التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:18 ص , بتوقيت القاهرة

وهل يشك الرسول؟!

يقول الله مخاطبا الرسول:


(فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ? لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) 94 الأعراف


هل هناك احتمالية أن يساور الرسول، ولو قدر يسير من الشك، فيما أنزله الله عليه؟


وعندما يشك الرسول لماذا لا يكون اليقين عبر آية كبرى تزلزل الأرض وتخرق قوانين الطبيعة؟


بل يكون التأكيد خلال بحثه الشخصي بأن يلتمس دلائل الوحي والنبوة عبر الذين يقرءون الكتاب من قبله.. يتيقن أن الله يتصل بالأرض عبر الرسل والأنبياء، وأن الأمر ليس جديدا وموجود فيمن سبق.


وبذلك لا يخاصم أهل الديانات، بل يدرس ما لديهم يلتمس فيه الحق والخبرة واليقين. حتى وإن كان جزء منه مغلوطا، لكن يقينا فيه ما يدل على رسالية الدين ويحمل بصمة الوحي الإلهي.


لو أن الله فتح احتمالية لشك الرسول الكريم - وإن كان مجرد استعارة لفظية لتقريب المعنى - الذي يتصل بالسماء مباشرة، وأنه يحتاج طيلة حياته لنفي الشك والبحث عن اليقين والهداية بالعقل والسؤال والخبرات المتراكمة، فكيف ننكره على بقية الناس!


والله يترك الإنسان بفطرته وعقله وقدرته على الإبصار في استكشاف طريق الهداية.. فيسأله سؤالا بسيطا بديهيا ويترك له البحث عن إجابة:


(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) 35 الطور.


ويقول للناس:


(وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).


ليخرج بهم من التلقين والانقياد إلى التأمل في الطبيعة، والبحث في عظمة الأرض والإنسان.. الأرض هي الجغرافيا، والجغرافيا هي ظل الأرض على الزمن.. الجيولوجيا والأركيولوجي والأنثروبيولجي.. أما الإنسان فلا زال عاجزا عن فهم البيولوجيا الجزيئية بشكل كامل.


ويقول للرسول (كَذَ?لِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).


فالرسول لم يحز يقينا مطلقا ثابتا منذ اللحظة الأولى. بل ينزل عليه القرآن منجما. مفرقا. كي يكون له تثبيتا وعونا كلما اشتدت عليه الأزمات.


وهل يفتن الرسول..؟


تعالوا نقرأ الآية:


(وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) الإسراء 73


القرآن يحكي عن الرسول كتجربة إنسانية فريدة. لكنه يخضع لذات المشاكل التي نتعرض لها جميعا. يتعرض للضغوط والمؤثرات الخارجية. يخاف ويشك ويتألم. ويحاورهم فيغلبهم ويغلبوه. ويواصل رحلته بلا كلل. ويلجأ إلى ربه يعلن ضعفه، يلتمس الهداية ويطلب المساندة.


القرآن يقول "كادوا ليفتنوك" يا محمد.. ولكن الله يحميه.. وإن كاد الرسول أن يفتن، فما بالك بنا نحن البشر الضعفاء..!


أيها الناس رفقا بالبشر وهونا عليهم، فربهم أعلم بهم. أرحم بهم.


ويكمل القرآن حديثا للرسول:


(وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) 74 الإسراء.


يضرب لنا الله نموذجا بخير البشر وأكثرهم إيمانا ويقينا. رسول الله الخاتم. وأنه من دون ثبات يلقيه الله على قلبه كاد أن يركن للمشركين. لضغوطهم ووعودهم وكلامهم المنمق.


القوي فقط هو الذي لا يخشى أن يعترف بضعفه. وعظمة الإنسان في هذا التباين بين الصواب والخطأ. اليقين والشكوك. النجاح والفشل.. ثم المحاولة الأبدية كي ينتصر الحق وتتغلب المشاعر الطيبة. والله يهدي إليه الصادقين الذين لا يتوقفون عن البحث عن طريق الرشد.