التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 12:14 ص , بتوقيت القاهرة

هل على "مبلبع" "الترامادول" حرج؟!

كاريكاتير موحٍ ذو مغزًى رسمه الفنان "عمرو سليم" لمشاهد تلفزيوني يتابع المذيعة التي تُردد: هذا وقد نجح المتسابق الفرنسي في القفز من فوق جبال "الهيمالايا" بدون بارشوت وعاد لأهله سالما.. أما المتسابق الإنجليزي فقد قفز في شلالات "النياجرا"، وتمكن من السباحة وعاد لأهله سالما.. فما كان من المشاهد إلا أن اتصل بها في مداخلة مرددا: ألو أنا المتسابق المصري رحت ماتش الزمالك وإنبي ورجعت بيتنا سليم.. آه والله.


الكاريكاتير يشير بوضوح لفضيحة أن أمن المواطن المصري يبقى استثناءً يستحق الإشادة والإعلان عنه في زهو وفخر.. وكأن من الطبيعي أن تخرج من بيتك فلا تعود إلا جثة هامدة.. صريعا في حادث طريق.. محروقا داخل قطار.. أو غريقا ضحية عبارة معطوبة.. أو مخنوقا وأنت ذاهب إلى الاستاد لمشاهدة مباراة.


حينما حلت الكارثة فكرتْ الحكومة التي تعمل بعقلية موظف أَرِيب.. كيف تُدير تداعيات الموقف الرهيب؟.. وماذا تعلن عن أسباب المصيبة ومبرراتها الوجيهة؟  فقررت إلغاء الدوري (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح)، ثم تراجعت وقررت تأجيله.


وهكذا تُواصل بنجاح منقطع النظير توجيه رسالة إلى كل أرجاء الأرض أننا شعب همجي.. فوضوي وعدواني ولا يُمكن ردعه عن التدافع والشغب إلا إذا كانت النتيجة الحتمية ضحايا (يا راجل ده حتى القفص الحديدي ما نفعش معاهم.. فما باليد حيلة.. ولتذهب الكرة والباسكت والهاندبول والبنج بونج إلى الجحيم.. وكذلك السياحة والاستثمار والاقتصاد والصناعة والتجارة والانتخابات والبرلمان وكافة أنشطة الحياة في مصر.


هذا عن القرار.. أما بالنسبة للتبرير.. فهو مُعد وجاهز سلفا.. إنه نفس التبرير الذي يستخدم في كل أزمة ومع كل الحكومات المختلفة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وهو الهروب من المواجهة والمكاشفة بالالتفاف حول الموضوع.. وعدم الخوض في لُب وجوهر القضية بالمناورة والالتواء والإزاحة بإلقاء الاتهامات على الغير، وعدم الشجاعة في الكشف عن الأسباب الحقيقية للمثالب والعورات.


ففي عهد مبارك تحول قطار الصعيد إلى فرن حريق يجري على الأرض يحمل رؤوسا مشتعلة مهرولة منصهرة.. ودخانا أسود يأكل الوجوه ويلتهم الأجساد.. وطوى الموت المئات حرقا.. وضن على آخرين.. فكُتب لهم حياة أسوأ من الممات بعد فقدان الأهل والأحباب.. لكن الفاجعة- كما رأى وقتها أصحاب الياقات المنشاة من المسؤولين بمساندة كتبة السلطان- يجب ألا ينسينا الأسباب التي أدت إلى حدوثها.. فصار علينا أن نلقي الاتهامات جُزافا.


إن الركاب لا ريبَ مسؤولون.. وهم في النهاية ضحايا جرائرهم.. ألم يُشعلوا المواقد ليشربوا الشاي الأسود؟! .. ليدفعوا إذا ثمن تسيبهم واستهتارهم مثلهم مثل أولئك الذين راحوا ضحية السيول التي جرفتهم لأنهم- كما أعلن مسئول كبير وقتها- قد بنوا بيوتهم في مجرى السيول.. وقال بالحرف الواحد.. يستاهلوا.. إنهم يستحقون عقاب الأرض قبل عقاب السماء.


وتظل الوجوه اللامعة التي تتدلى منها تُرَّهَات الزيف تُبرر الجريمة وتُبعد عن نفسها الشُبْهات.. ألم يحشر أباء وأمهات ضحايا الأتوبيس المتهالك الأبناء بأعداد متزايدة؟!.. ألم يكن عامل المزلقان نائما؟! أي ملاعين أنتم أيها التعساء؟! .. ألم يثبُت أن ضحايا العبارة لا يجيدون السباحة؟!


ولأن القيامة لا تقوم.. فإنّ ضحايا "قطار البدرشين"- في عهد الإخوان- التسعة عشر قتيلاً يُعَبؤون في جوال يضم أشلاءهم فيزنون عشرين كيلوجراما من الأجساد والعظام الرخيصة.. فهم عبيد يحشرون في مركبات العبيد.. هم ضحايا الحادث.. وهم المسؤولون أيضا عنه.. من خلال رمز يمثلهم.. عامل مزلقان.. عامل بلوك.. عامل صيانة.. سائق.


وبعد حادث البحيرة الأخير الفاجع في زمن حكومة "محلب" الذي راح ضحيته (30) طالبا.. فإن وزير التربية والتعليم روّعه الهجوم الذي انهال عليه من الصحافة وقال: "والله أنا حاسس بيهم.. بس مش أنا السبب".


أمّا في فاجعة الاستاد فقد كانت المبررات- في نفس الإطار السابق- وإن اتصفت أكثر برحابة في التنوع، فالإخوان وطبقا لنظرية المؤامرة قد ارتدوا ملابس الشرطة وقتلوا جمهور الزمالك.. وفي تبرير آخر أن الآباء والأمهات هم السبب لأنهم تركوا أبناءهم بلا رقابة.. وسمحوا لهم بالذهاب إلى الجحيم.


أمّا جمهور "الألتراس" فهم مخترقون من الإخوان ومن فلول الإرهابيين.. وهم عدوانيون بالسليقة.. وفي منتهى العنف والإجرام بالضرورة.. وأما الآلاف من المشجعين فهم عشوائيون من قاع المدينة.. ضائعون من "الصيع" والسوقة والدهماء والرعاع الذين لا همَّ لهم طيلة الليل والنهار إلا "بلبعة الترامادول".. وهل على مبلبع "الترامادول" الذي ذهب عقله أن يُدرك نتائج أفعاله.. ليس عليه حرج إذا أثار الشغب ودمر وحرق.. ليس على "مبلبع الترامادول" حرج.


وخالتي جت عندكم.. لا.. ماجتش.. اتفضل شاي.. لا متشكر .