هل يصبح معاذ الكساسبة نقطة تحول في الحرب على داعش؟!
لم يحدث أن أَلَمَّ بالمصريين والعرب مثل هذا الغضب العارم الذي اجتاح الأمة العربية من أقصاها في المحيط إلى أقصاها في الخليج، بسبب فظاظة عملية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قفصٍ مُغلق، كشفت للعالم أجمع المصير البائس الذي ينتظر الأمة العربية والإسلامية إن نجح "داعش" في أن يكون جزءا من مستقلبها!
تحكُم بالحديد والنار، وتقطع الرقاب دون محاكمة، وتحرق الأجساد، وتفرض الظلمة على الأمة، وتُخرس الألسنة والأصوات، وتُدمر الفنون والآداب، وتُعلق المبدعين والشعراء والفنانين والمصورين على أعواد المشانق، وتطمس العقول والقلوب لأن استخدام العقل في عرف داعش ضرب من الكفر، بحيث لا يبقى من الحياة سوى الاستبداد والخوف والموت والظلمة!
ولا أظن أن العرب والمسلمين أحسوا مثل هذا القلق على مستقبلهم، خاصة أن "داعش" يستهدف ترويع الجميع في إطار استراتيجية واضحة هدفها إلقاء الرعب في قلوب الأمة التي تعرف- الآن- بوضوح كامل صورة المستقبل الذي يريده "داعش" للعرب والمسلمين.
وثمّة توقعات عديدة أن يكون حادث تحريق معاذ الكساسبة نقطة تحول مهمة في الحرب على الإرهاب تساعد على تكتيل جهود الأمة في القضاء على هذا الطاعون واجتثاث جذور هذه الجماعات، لأنه ما من بديل آخر سوى الامتثال لهذا الطاغوت الذي يصعُب- بل يستحيل- التعايش معه.
وثمّة ما يُشير إلى أن هذه الغِلظة والفَظاظة التي يمارسها "داعش"، ويحرص على تسجيلها صوتا وصورة في أشرطة فيديو، يشيع انتشارها كالنار في الهشيم، تخفي وراءها حالة ذعر شديد تتلبس تنظيم "داعش"، بعد أن دخل مبكرا مرحلة الانحسار، وتوقف زحفه ولم يعد في وسعه كسب المزيد من الأراضي العراقية والسورية، وبات يتعرض كل يوم لمزيد من الانتكاسات العسكرية، أخرها نجاح المقاتلين الأكراد في استعادة مدينة "كوباني" على الحدود التركية السورية، وتمكنهم من طرد قوات داعش خارج حدود المدينة، إضافة إلى نجاح العراقيين في استعادة كامل محافظة "ديالى"، بعد أن نجحت الميليشيات الشعبية في طرد قوات داعش من كل أرجاء المحافظة.
فضلا عن التوقعات المتزايدة بقرب تحرير مدينة الموصل أكبر المدن العراقية بعد بغداد، بعد أن نجحت قوات البشمركة الكردية في السيطرة على عدد من القرى المحيطة بالموصل.
وبرغم مبالغات الأمريكيين وتضخيمهم لقوة داعش العسكرية وانضباط كوادرها وحسن تنسيق عملياتها العسكرية، إلا أن الوقائع على الأرض تُثبت أن "داعش" ليس القوة التي لا تقهر، وأن ما يساعده على السيطرة على هذه المساحات الواسعة من الأراضي افتقاد وجود قوات برية تحسم المعركة على الأرض، سواء في العراق بعد أن نجح الأمريكيون في تفكيك القدرة العسكرية العراقية وتسريح الجيش، أو فى سوريا حيث ينشغل الجيش السوري فى حرب مستمرة على عدد من عصابات الإرهاب ينتمي معظمها إلى القاعدة أو داعش، أحالت سوريا إلى بؤرة لتفريخ جماعات الإرهاب.
ومع الأسف لا تزال سيطرة الطائفية على تشكيل الجيش العراقي تشكل أحد المعوقات الكبرى التي تقلل من صلاحيته على مواجهة جماعات الإرهاب، كما أن الجيش السوري الذي ينشغل بمعارك متناثرة في طول البلاد وعرضها اضطر مرغما من أجل تحصين العاصمة دمشق للانسحاب من مساحات واسعة من الأراضي السورية أصبحت نهبا لجماعات الإرهاب!
وتكاد تكون مصر الاستثناء الوحيد من هذه الصورة بالغة الصعوبة والتعقيد رغم نجاح "داعش" في رشوة تنظيم أنصار بيت المقدس الذي يعمل داخل سيناء ونَقَلَ ولاءه أخيرا من تنظيم القاعدة إلى داعش، لأن مصر حافظت على وحدة قواتها المسلحة، وفطنت إلى أبعاد المؤامرة فى وقت مبكر.
ولأن المصريين لا يُمكن أن يقبلوا ببقاء "داعش" على مساحة شِبر واحد من أراضيهم، بعد أن جسد تحريق الطيار الأردني لكل مصريّ المصير المُخيف لوطنه إنْ أصبح "داعش" جزءا من مستقبله.
وتشير التقارير الأخيرة من داخل سيناء إلى نجاح الجيش والأمن المصري في تقويض تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي اعترف قادته أخيرا بسقوط ما يقرب من ألفي مقاتل ما بين قتيل وأسير.
كما تشير هذه التقارير إلى كثافة الوجود العسكري المصريّ الذي يُحاصر فلول هذه الجماعات في المسافة ما بين العريش ورفح التي يجرى تمشيطها وحرثها شبرا شبرا، ويدخل ضمن العوامل الحاسمة إغلاق جميع الأنفاق وتوسيع المنطقة العازلة الذي قلل فرص المناورة أمام هذه الجماعات، وحال دون هروبهم إلى قطاع غزة بعد ارتكاب جرائمهم، كما زاد من صعوبة حصولهم على الأسلحة والذخائر والمؤن.
ولست أشك في أن هزيمة داعش على أرض سيناء سوف تكون علامة فارقة في الحرب على الإرهاب، ومن المؤكد أنها سوف تكون بداية النهاية لهذا التنظيم، وكما هزمت مصر الإرهاب فى ثمانينيات القرن الماضى بعد 18 عاما من حرب ضروس، سوف تهزم مصر الإرهاب مرة أخرى فى حرب أشد قسوة لن تطول شهورا، لأن الجيش والشعب والأمن وكافة مؤسسات المجتمع المدني مصممون على اجتثاث كافة جذور الإرهاب، ويرفضون بقاء داعش على شبر واحد من الأرض المصرية.