التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 04:10 م , بتوقيت القاهرة

هيئة الدفاع عن داعش

أمام ظاهرة بحجم تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام"، سينتهي الأمر لا محالة بكل مسلم إلى اختيار طريق من اثنين؛ الأول: الإسراع لاعتلاء منبر الدفاع عن الإسلام، والطرد الإنكاري لأعضاء التنظيم الوحشي من حظيرته، فقط عن طريق اجترار جمل قديمة، ومتكررة، ومحفوظة، من عينة: هؤلاء لا يمثلون الإسلام. هذا التنظيم صنيعة الغرب الصليبي المتآمر على الإسلام. إنّ أعضاء التنظيم يسيؤون للإسلام.. وهَلُمَّ جَرّا.


صحيح أنهم يسيؤون للإسلام فعلاً، ولا شك في ذلك، وقد يصح أيضا أن ثمّة أطرافا- ليس بالضرورة أن تكون غربية- تساعدهم وتقدم لهم يد العون والمعونة والسلاح، إلا أن مُشكلة هذه النوعية من التبريرات أنها لا تطرح أي تفسير للظاهرة، ناهيك عن عرض مقترح للحل، أو حتي اقتراح آلية لوقف تلك الإساءة البالغة للدين، ولو مؤقتا.


والسبب؛ أن هذه الجمل الإنشائية العقيمة ليست وليدة تفكير، ولا صدرت عن عقلٍ واعٍ بعد تدبر وتأن وفحص، وإنما خرجت تلقائيا كحيلة نفسية دفاعية، غرضها الأول: الهروب من مواجهة المشكلة. والثاني: طمأنة النفس بأن صورة الإسلام السمحة المطبوعة في الذهن، هي الصورة الوحيدة، أو بالأحرى هي الصورة الصحيحة فقط وما دونها فاسد لا يُعتد به.


وبفعل الضجيج الذي يثيره هؤلاء، وهم كُثر، عبر وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي، تغيب أولى الحقائق التي يجب أن تكون ماثلة دوما أمام الراغب الجاد والمخلص في الدفاع عن دينه، ومن قبله مجتمعه ووطنه، وهي أن أعضاء هذا التنظيم الإرهابي إنما يقترفون جرائمهم للدفاع عما يعتقدون أيضا أنه الصورة الأصح للإسلام، وأن أعضاءه والمنزوين تحت لوائه، ناهيك طبعا عن قياداته، ربما يطالعون في الشهر الواحد عن الإسلام ورموزه، وتاريخه وفقهه، بأكثر ما طالع وقرأ محاميو الدفاع، على مدار عمرهم كله.


إن أقصى ما يفعله هؤلاء المحامون، أو فئة منهم، هو المسارعة، بعد كل جريمة يقترفها التنظيم، بعرض البضاعة الإسلامية؛ الفقهية، والحديثية، والتاريخية، التي حال فقر معرفة أصحابهم بها دون عرضها. بضاعة من عينة الكتابة أو الخطابة عن بعض مواقف السلف في السماحة وحسن المعاملة والعفو عند المقدرة، وهي أيضا محض حيلة وإن كانت تدعي لنفسها ذكاء، إلا أنها- في واقع الأمر- لا تقل غباء عن نظيرتها الأولى، يريد بها هؤلاء الحَذَقَة أن يعالجوا المشكلة عن طريق تجاهلها، ظانين أو مروجين أن بضاعتهم ستغني عن بضاعة التنظيم، أو يجد أعضاؤه والمتعاطفون معه فيها عوضا.  


إن هذه الفئة من محامي الدفاع لطالما اقترفوا بمرافعاتهم الإنشائية جريمة لا تقل، إلا بمقدار، عن جرائم "دولة الإسلام في العراق والشام"، وهي جريمة التضليل، تلك التي يريدون بها القول إن أعضاء التنظيم مجرد جهلاء، لم يتنامَ إلى علمهم قط شيء عن بضاعة المحامين! 


الطريق الثاني: هو طريق البحث الجدي خلف صورة الدين التي يعتقد تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" أنه يدافع عنها، انطلاقا من قاعدة أقر بها المحامون وأهل الطريق الأول أنفسهم، على لسان الأزهر بالذات، قاعدة مفادها أن "داعش من أهل القبلة"، ولا يملك أحد تكفيرهم. 


وهو طريق لا يختاره المريد بهدف الدفاع عن الدين، بل الوطن والمجتمع، فهنا تحديدا يكمن الفارق بين الطريقين، ذلك لأن سالك الطريق الثاني يملك قناعة تامة أن الإسلام الذي عاش لألف وأربعمائة عام، وسيعيش ما ظل على الأرض، لا يحتاج أحدا للدفاع عنه أصلاً. وهو أيضا طريق يعلم الخائض فيه أن هدفه لا يكمُن في إثناء أعضاء التنظيم عن جرائمهم أو التخلي عن أفكارهم، فتلك مهمة لن تقوى عليها سوى دفقات البارود وزخات القنابل، بل يكمن هدفه في تحصين المسلمين، عن طريق مكاشفتهم ومصارحتهم، من أن يسلكوا طريق التنظيم حالاً أو مستقبلاً.


وتلك مهمة لا تكمن صعوبتها في كيفية الوصول إلى صورة الإسلام التي يدافع عنها التنظيم، وطرائق تحليلها وتفكيكها، ذلك لأنها متوفرة ومتاحة لمن أراد وامتلك شجاعة المصارحة، بل تكمن صعوبتها في أن المحامين بالذات هم العائق الأهم أمام من يتصدى لها.
 فلا يكاد الراغب في اجتياز هذا الطريق الوَعْر المحفوف بالمخاطر أن يبدأ بحثه ويعلن للناس عن موضع المرض ومسبباته التراثية والفقهية والتاريخية، إلا ووجد المحامين الحذقة في انتظاره على قارعة الطريق، يتبارون في تصويب أسلحة لطالما جبنوا على تصوبيها تجاه تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام"  نحوه، أسلحة من عينة تلك التي أطلقها خالد الجندي في الفيديو أدناه، الذي بدأه الشيخ بالتأكيد لمشاهديه بأن دعاة تطوير الدين وتنقية التراث، معادون للدين، كارهون للإسلام، وحاقدون عليه، فقط يتسترون خلف تلك الشعارات لتحقيق مآربهم الخبيثة!


 إن طريقنا للقضاء على "تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام" لابد وأن يمر من هنا، من التصدي لهؤلاء المحامين أولاً!