حوالين المياه الجوفية والآبار الكتير اللي ظهرت في مكة، بدأت الحياة تستقر، ومع الاستقرار بـ يبدأ تكوين المجتمعات، والمجتمعات بـ تنتظم في قبائل، القبائل هـ يحصل فيها صراعات تطور شكل القبائل دي، وتبقى دول، حتى لو كانت دول بدائية.

وأقدم أثر نعرفه عن الحياة في مكة قبل الإسلام، هو البناء اللي قامت عليه الصراعات، واتنظمت حواليه كافة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي طبعا الكعبة.

والكعبة ليها قصص دينية كلنا عارفينها، إن آدم أبو البشر هو اللي بناها بمساعدة من الملائكة، أو إن المنطقة دي نشأت نتيجة هجرة السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم بصحبة ابنها النبي إسماعيل، وبعدين بناء الكعبة على إيد النبيين إبراهيم وإسماعيل.

كل دي حاجات دينية، إحنا بنصدقها لأنها واردة في القرآن، حتى إذا ما كانش فيه إثبات تاريخي يوضح سياقات القصص دي، خصوصا قصة ترك النبي إبراهيم لمراته وابنه، النبي الصغير، في المنطقة دي، بمعنى إننا ما نعرفش، ده كان في أي قرن ولا في عهد مين.

تاريخيا، الكعبة دي كانت واحدة من كعبات كتيرة موجودة في الجزيرة العربية، بـ نلاقي كلام عنها بالتفصيل في كتاب الأصنام للكلبي، والكلبي أو ابن الكلبي، بتتقال الاتنين هو رجل إخباري كتب كتير عن أخبار العرب قبل الإسلام، وعاش في القرن التاني الهجري، ومات في أول التالت، يعني هو نسبيا قديم، ومن أوائل الناس اللي كتبت في التاريخ.

كمان هـ تلاقي الزبيدي في تاج العروس والإكليل للهمداني، وبعدين كتب حديثة لـ باحثين كبار أهمهم كالعادة جواد علي، أو اللي خدوا عن جواد علي زي محمود الحوت، وسيد القمني، وحتى العقاد اتكلم عن الكعبات دي.

إيه قصة الكعبات؟
ببساطة، كان العرب بيبنوا جنب الأصنام، والأحجار المقدسة، بيوت عادية على شكل مكعب، هم بيعتقدوا إن البيت ده رمز لـ "بيت الله" الموجود في السما، ويبقى البيت ده بالنسبة لهم قبلة، ومكان يدبحوا فيه الأضحية، ويحجوا ليه، ويرتاحوا عنده، وإلخ إلخ.

عدد الكعبات دي بـ يوصل في أقل تقدير لـ 21 كعبة، في غطفان ولخم وقضاعة ونجران وذو الخلصة والطائف وغيرهم كتير، ولكن طبعا كل الكعبات دي اندثرت مع الوقت، ومع صعود كعبة مكة واحتلالها صدارة بيوت الله، لحد ما بقت هي البيت الوحيد. ليه؟ دا اللي هـ نشوفه في الليالي اللي جاية.

المهم النهارده نقول إن فيه آثار فضلت لبعض الكعبات دي، حتى لو الكعبة نفسها اتهدت، لـ حد القرن العشرين، أيوة القرن العشرين، وآخر كعبة كان موجود لها آثار هي كعبة ذو الخلصة.

الكعبة دي كانت موجودة لـ حد سنة 1925، المثير إنها مش بس كانت موجودة كـ أثر، لكن كمان بنقرا في مقدمة كتاب أخبار مكة للأزرقي، بتحقيق رشدي صالح الكلام اللي جي ده، عن بدايات القرن العشرين في الجزيرة العربية:

"لمّا اضطرب حبل الأمن في جزيرة العرب في العصور الأخيرة وافتقد القاطنون فيها الرّاحة والطّمأنينة، وساد الفقر والإملاق في البلاد، أحسّت النّفوس بالرّغبة في التبتّل والتنسّك، وشعرت الأرواح بالحاجة إلى ملجأ تفزع إليه، فانقلبت إلى حياتها الجاهليّة الأولى بالتمسّك بالبدع والخرافات، وعادت إلى التمسّح بالأحجار والأشجار. وكانت دوس ومن يجاورها من القبائل في الطّليعة فرجعت إلى ذي الخلصة تتمسّح بها، وتهدي لها وتنحر عندها".

ولذلك لما جه آل سعود، وسيطروا على الأمر، هدوا الكعبة دي، وما تبقى منها، وسووها بالأرض. بالمناسبة آل سعود عملوا كده في كتير من الآثار في الجزيرة العربية، وحتى في الحرم نفسه.

ودلوقتي السؤال: ازاي كعبة من كعبات كتير، وبير من آبار كتير هـ يتحولوا إلى مركز الحياة، وبداية لـ كل اللي إحنا فيه لـ حد دلوقتي؟

استنونا