التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 01:41 م , بتوقيت القاهرة

الذبح والحرق عقائديا وأسريا

حصاد الأسبوع الماضي من حوادث العنف الأسري تبلغ من البشاعة حدا لا يُمكن تصوره إلا فى إطار الأسطورة.. وهو يتشابك أو يتماهى مع حوادث "العنف الوحشي" التي تقوم بها الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، وأكثرها وحشية حرق الطيار "معاذ الكساسبة"، وعبر عن رد فعله تجاهه الملك الأردني "عبدالله بن الحسين" بارتداء الزي العسكري لملاحقة عناصر التنظيم قائلاً: "إذا رأيت أحدًا فسوف أقتله.. بل سوف أقتل زوجته وجميع أصدقائه وأحرق منزله أيضا.


والكلمات السابقة رددها الممثل الأمريكي الشهير "كلينت إيستوود" في فيلم "لا تسامح"، والذي يجسد فيه رجلاً يثأر لنفسه وعائلته بعد أن  قتلوا ببشاعة.


وانتقلت مشاهد ذبح الحيوانات، التي روَّعت العالم ومنظمات حقوق الحيوان، إلى ذبح البشر خصوم الإرهابيين والتنظيمات الدولية التي اشتهرت بفصل رقبة الإنسان عن جسده وحرقه وهو على قيد الحياة في مذابح (كرداسة – الكشح) والتمثيل بالجثث في سيناء والعريش والمطرية.


هذا الانتقال من ذبح الحيوانات إلى البشر لأسباب عقائدية يرونها واجبة، بينما تراها الدنيا كلها إثما وبغيا وبربرية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين السمح، حيث أكدت دار الإفتاء في ردها على فتوى "داعش" الكاذبة، أن هؤلاء البربر قد ضربوا بالتعاليم الإسلامية ومقاصدها عرض الحائط، وخالفوا الفطرة الإنسانية السليمة واستندوا في جريمتهم البشعة الأخيرة إلى تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال لتبرير فجاجة فعلهم.


أما الانتقال من ذبح الغُرَماء في التوجه الديني والسياسي والعقائدي إلى ذبح الأقارب وقطع الأرحام في الجرائم الأسرية، الذي يتزامن مع تلك المذابح على أيدي الوحوش الضارية من خوارج العصر وكلاب أهل النار.. وبنفس الأسلوب والطريقة والوحشية عن طريق الذبح والحرق.. فهو أمر أيضا يستحق البحث والدراسة فقد أصبح ظاهرة تضج بها صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي داخل الأسر المصرية، وتمثل تصاعدا إرهابيا لأسباب اجتماعية لا علاقة لها بعباءة الدين أو انحراف الاعتقاد.. بل ترتبط بأسباب معيشية وحياتية.. وعلاقات مادية وعاطفية وانحرافات سلوكية تغلفها أمراض نفسية وعقلية.. وأصبحت تلك الحوادث تمثل ظاهرة تهدد أمن المجتمع وسلامته.


وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه.. هل تُمثل تلك الجرائم صدى لجرائم المذابح الكبرى والاغتيالات على أيدي الجماعات والمنظمات الإرهابية.. هل تتأثر بها.. وتحاكيها في العنف والشذوذ ؟!.. هل تعكس اتجاها عاما تمتد من الجماعات إلى الأفراد فى تنامي لآليات القسوة المُفرطة وانعدام المشاعر الإنسانية لدى النفوس الشائهة؟!


بذل محرر الحوادث بجريدة "اليوم السابع" جهدا طيبا في فتح ملف قتل الآباء للأبناء والعكس.. ودق ناقوس الخطر وهو يسرد ويجمع مادته التي تستند إلى جرائم بشعة تشي بتغيرات حادة في سلوك الشخصية المصرية.. وفي السلم القيمي لها.


ففي منطقة "عزبة الهجانة" يتخلص شاب عاطل من والده بعد مشادة بينهما، بأن أحضر سكينا وذبح الوالد بها.. ومزق الجثة إلى أشلاء، بل وضع عضوه الذكري في زيت مغلي.


وفي منطقة الطالبية أم ذبحت طفلتيها.. وادعت أن مجهولين ملثمين اقتحما شقتها وطلبا منها (240) ألف جنيه، وعندما أكدت لهما عدم امتلاكها المبلغ ذبحا طفلتيها ولاذا بالفرار.. لكن رجال المباحث توصلوا إلى أن الأم هي الفاعلة.. واعترفت مبررة ذلك بمرورها بأزمة نفسية وسوء معاملة زوجها لها.


وفي منطقة عزبة "خير الله" التابعة لحي مصر القديمة.. تخلص رجل في العقد الرابع من عمره من كل أفراد أسرته، بعد أن شكّ في سلوك زوجته.. وفي ذروة انفعاله سدد عشرات الطعنات لها ولطفلتيه، وعندما فارقنّ الحياة أشعل النيران في غرفة النوم لحرق الجثث لإخفاء معالم الجريمة وفر هاربا.


وفي منطقة "أبو زعبل" بمحافظة القليوبية خنقت فتاة تعمل في مصنع بلاستيك والدتها، ثم هشّمت رأسها بماسورة حديدية انتقاما منها لمعاملتها السيئة.. ومعايرتها لها بإصابتها بمرض "البهاق"، ورفضها ارتباطها بشاب يعمل معها في مصنع البلاستيك.


وفي "المنيا" أنهى رجل حياة ابنته (20 سنة) نتيجة شكه في سلوكها بأن أجبرها على تناول السم عن طريق وضع مبيد حشري في فمها وأجبرها على ابتلاعه.


والكلام معاد حول الدور الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية والنفسية في التحكم في مسار الحياة للفرد، وفي طريقة تعامله مع الآخرين.. وحول دور تعاطي المخدرات والكحوليات في ارتكاب الجريمة.. وحول علاقة المرض النفسي والعقلي وخاصة "الفصام " في القتل، حيث إن الفصامى يستجيب لأصوات هلاوسه التي توجهه توجيهات إجرامية مباشرة.


ولأن العامة يجهلون طبيعة تلك الأمراض فهم لا يذهبون إلى الطبيب النفسي، ويعتقدون أن ذلك يمثل فضيحة اجتماعية تمس سمعتهم إذا ما عرف المحيطون بهم بأمر هذه الزيارة.. فتتدهور حالتهم فينهون حياة الآخرين.


ولا شك أنه كلما ارتقى المجتمع إلى درجه عالية من الثقافة والمعرفة والوعي تضاءل دور الدوافع المرضية والاجتماعية المؤدية إلى الجريمة.


لكن يبقى استخدام العنف الضاري وذيوعه وتناميه أمرا محيرا.. وتقفز أبيات الشاعر الكبير "صلاح عبد الصبور" إلى الذاكرة.. 
                                       


                                      ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
                                       ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
                                                 فتحسس رأسك
                                                 فتحسس رأسك!