التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب
في خضم الحرب التي نخوضها في مصر ضد الإرهاب، علينا أن نتعلم ونستفيد من خبرات الدول الأخرى في هذا الصدد.
أحد هذه التجارب هي تجربة المملكة العربية السعودية، التي خاضت هي الأخرى حربًا ضروسًا ضد الإرهاب، واستخدم فيها العديد من الأدوات غير التقليدية في التعامل مع هذا الخطر.
أحد هذه الأدوات هي برنامج يُطلق عليه "حملة السكينة"، وهي حملة إلكترونية تطوعية تتم تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة السعودية. وقد بدأت هذه الحملة عام 2003 وتقوم فكرتها على الانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الإنترنت، وذلك عبر فِرق متخصصة تقوم ببث المفاهيم الصحيحة ومناقشة الأفكار المنحرفة سواء من خلال النقاش العلني أو عبر الرسائل الخاصة أو برامج المحادثة الثنائية، وبالاستعانة بأدب الحوار ومراعاة التفاوت في ثقافة المخاطبين.
ووفقا للعديد من الدراسات فقد ساهمت حملة السكينة في تعزيز الفكر الوسطي وإزالة الشبهات، وتوضيح الحقائق للكثير من الشباب وتحييد كثيرين عن التعاطف أو الانتماء للإرهاب من خلال المناقشة والحوار عبر شبكة الإنترنت.
برنامج آخر تطبقه المملكة السعودية يطلق عليه اسم "المناصحة"، ويخضع لإشراف وزارة الداخلية، ويقوم بالتعامل مع المتورطين في القضايا الإرهابية من خلال تصحيح المفاهيم التي يؤمن بها هؤلاء، وإعادة دمجهم في المجتمع كي يصبحوا مواطنين صالحين مرة أخرى، ويتم ذلك، بشكل أساسي، من خلال مركز "المناصحة والرعاية"، والذي يحمل اسم الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية (والذي يشغل الآن منصب ولي ولي العهد) وبناء على فكرته.
وهذه المراكز تشبه المصحات العلاجية والنفسية أكثر منها كونها سجونا. ويتم التركيز فيها على البرامج الإنسانية والاجتماعية من خلال الاستعانة بمجموعة من الخبراء والمستشارين النفسيين والاجتماعيين، بالإضافة لعلماء الدين والشريعة.
وقد حظيت مراكز المناصحة بتقدير وإشادة دولية، ووصفها أحد مراكز الأبحاث الأمريكية بأنها تمثل "الاستراتيجية اللينة" في التعامل مع الإرهاب.
برامج المناصحة تعرّضت لبعض الانتقاد حديثا، بعد أن تم اكتشاف أن بعض الذين شاركوا في هذه البرامج قد عادوا مرة أخرى لممارسة الإرهاب، ولكن تشير الإحصاءات أن عدد المستفيدين من برنامج المناصحة بلغ 2791 شخصاً، عاد منهم إلى الإرهاب 334، أي بنسبة 12 % من إجمالي العدد. وبدأت السلطات السعودية فى دراسة الأسباب التي أدت لانتكاسة هؤلاء من أجل تطوير البرنامج.
أي أن السعودية لم تلغِ البرنامج أو تتخلى عن فكرته لمجرد أن بعض المشاركين عادوا للإرهاب، بل تسعى لمعرفة نقاط الضعف للتعامل معها في تطوير مراكز المناصحة.
مصر قامت بتطبيق عدد من البرامج المشابهة فيما يتعلق بالمراجعات الفكرية داخل السجون للمتورطين في جرائم إرهابية، كما تمت مساعدة بعض هؤلاء في إعادة التأهيل والاندماج فى المجتمع. ولكن لا نعرف إذا كانت هذه البرامج ما تزال مستمرة أم تم التخلي عنها، ولن نعرف أيضا أي تقييم لنتائج هذه البرامج وهل ساعدت بالفعل على تخلي هؤلاء عن أفكارهم المتطرفة أم عاد هؤلاء إلى سيرتهم الأولى بعد الإفراج عنهم، وماهي نسب النجاح والفشل في هذا الصدد.
التجربة السعودية توضح أن هذه البرامج مفيدة، ويجب أن تستمر حتى لو لم تحقق نجاحا كاملا، وأن التعامل الفكري لا يقل أهميةً عن التعامل الأمني في مكافحة الإرهاب.