التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:21 ص , بتوقيت القاهرة

البرادعي والليبرالية

خرج علينا البرادعي منذ أيام بتصريحٍ جديد قديم يعكس فكره ومشروعه السياسي الوحيد، الذي قدّم به نفسه على المسرح السياسي الوطني، وهو مشروع إدماج التيار الديني الأصولي في العملية السياسية. 


يستمر البرادعي في مسلسل خداع الوعي العام وتزييف الحقائق؛ لتقديم فكر سياسي مشوه تحت مسمى الليبرالية والحرية والليبرالية منه براء. 


الليبرالية لا يُمكن أن تكون عنوانا لعملية سياسية شاملة تضم تيارات ذات أيديولوجية دينية، فالفلسفة الليبرالية مفارقة تماما للأيديولوجية الدينية، ولا تتماس أو تتقاطع معها في أي نقطة. 


فالفلسفة الليبرالية مرجعيتها الأساسية الفلسفة الإنسانية الحداثية، التى تؤسس المواطن على قاعدة مشروعية جديدة بعيدا عن مشروعية اللاهوت القروسطى أو الأيديولجيات، فتصبح حقوق الإنسان والمساواة هي مرجعيتها الرئيسية، وتنظر للإنسان كمواطن كامل الأهلية بدون اشتراكات مذهبية أو طائفية. أما الأيديولوجية الدينية مرجعية قائمة على اللاهوت وتستمد مشروعيتها من السماء، تتوارى فيها حقوق الإنسان أمام تسخير المجتمع وفق أيديولوجيتها التي هي عبارة عن عقيدة دينية تتحول إلى قواعد وقوانين ملزمة للمجتمع، يكون فيها الإنسان الأصولي هو المواطن الشرعي، أما المختلفون فمدانون دينيا، وبالتالي سياسيا؛ ولذلك فهي تقوض مبدأ المساواة وتعيد ترتيب المجتمع وفق هويته الدينية وتُكرّس الطائفية والمذهبية. 


الفلسفة الليبرالية قائمة باعتبار الإنسانية هي الكيان المقدس، وبالتالي تكفل له حرية الفكر والرأي والعقيدة والضمير وما يعتنقه من عقيدة يعد فى ظل هذه الفلسفة فرضية متعلقة باختيار المواطن ووعيه الشخصي فقط بدون أي استحقاقات أخرى. أما الأيديولوجية الدينية هي النقيض القطعي للحرية والفكر لأن مرجعيتها معصومة، لا تُناقش ولا ترد، فهي تعتبر أي صاحب فكر أو منهج مخالف لإرادة السماء زنديقا وكافرا يستوجب العقاب. 


الليبرالية تتعاطى مع المجتمع وفق خط أفقي يحقق مصالحه واحتياجاته الإنسانية بشكل مباشر بعيدا عن الدوجما والأيديولوجيات فهي بشرية ونابعة من المجتمع. أما لأيديولوجية الدينية فتتعاطى مع المجتمع في خط عمودي من السماء إلى الأرض، وتصبح أولويات الدولة هي إتمام إرادة السماء على المجتمع، وقمع أي مظاهر أو مصالح أو احتياجات مخالفة لها.


الليبرالية تعمل على إفقار الدين طابعه القمعي وإخراجه من الساحة العامة للمجتمع وتحويله إلى قضية شخصية تهم الفرد فقط، أما الأيدلوجية الدينية تعمل على إقحام الدين فى الشأن العام للمجتمع وتمرير كل أوجه النشاط تحت معاييره الحكمية، لذلك إشراك فصيل ديني فى عملية سياسية انتخابية يفسدها ويفرغها من مضمونها ويجعلها تنحرف عن مسارها وعن الصالح العام، ويحولها إلى عملية اقتراع تنافسية ما بين الجنة والجحيم ذات بعد دوجماتى.


هل تناسى البرادعي خروج المصريين بشكل غير مسبوق تاريخيا للإطاحة بالإخوان بعد محاولات انفرادهم بالسلطة وإقصاء المعارضين وقمعهم وتطبيق التمكين وأدلجة مؤسسات الدولة بدوافع أيدلوجية.


ألم تحمل هذه الفاعلية عنوانا كبيرا بفشل عملية الدمج ألم تتحول المظاهرات إلى جنازة تأبين ضخمة لتشييع هذا المشروع السياسي إلى مثواه الأخير. أم أن البرادعي يحاول إعادة تسويق منتجه تحت وطأة الضربات الإرهابية ليؤسس بذلك معيارا سياسيا جديدا تكون مرجعيته هو مقدار الخضوع للابتزاز.


ليبرالية البرادعي قاتلة لليبرالية، وحريته هي دفنٌ للحرية.