التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:03 ص , بتوقيت القاهرة

مصر لا تدفن جنودها

البي بي سي تقول: مصر تدفن جنودها الذين قُتلوا في هجمات سيناء.. ولا توجد في الخبر كلمة: إرهاب أو أي وصف للهجمات القاتلة بأنها إرهابية.. وتضع صورة النعوش التي تلفها أعلامنا الحزينة.


والسي إن إن لا تختلف كثيرا في وصف الخبر، وتشترك مع البي بي سي في اختفاء كلمة الإرهاب في سياق الخبر.


شعرت بالغيظ والألم والحسرة من سياق الخبر بتلك الكلمات القاسية الظالمة التي تحمل معاني لا أود أن أفكر فيها.


عدت قليلا بجوجل لأبحث عن عناوين تغطية حادث "شارلي إبدو" الآثم أيضا، فوجدت أن البي بي سي وصفت منفذي حادث "شارلي إبدو" بالإرهابيين، ووصفت الحادثة بالمذبحة.. والسي إن إن ذكرت كلمة إرهاب في عناوين أخبارها المتعددة ومتابعاتها الطويلة للحادث وتداعياته.. ومعظم صور حادث "شارلي إبدو" إما للإرهابيين أو لقوات الجيش والشرطة المهولة التي قامت بمهاجمتهم.


ذهبت إلى كلمة الرئيس المليئة بالشجون التي تملؤنا جميعا كمصريين مهما اختلفت توجهاتنا السياسية، ووجدت أن أهم ما جاء بها هو تذكير بتفويض المصريين للسيسي والجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب، الذي كان متوقعا منذ ثار الشعب في 30 يونيو و3 يوليو.. " وكنت عارف إن ده اللي هيحصل وأنتم عارفين إن ده اللي هيحصل".. "اللي بيحكم الموضوع إرادتكم".


عدت إلى ما قاله السيسي في 24 يوليو، هو بنفسه قال افتكروا كلامي لكم في هذا التاريخ.. فوجدت ما قاله فعلا هو "أطالب المصريين يدوني تفويض، يدوني أمر، لمحاربة العنف والإرهاب المحتمل.. عاوزكم تنزلوا عشان توروا للدنيا كلها أن لكم إرادة وأن لكم قرار.. الإرادة هنا والقرار هنا: أن لو لُجئ للعنف أو الإرهاب يفوض الجيش والشرطة لمواجهة هذا العنف وهذا الإرهاب...".


كل هذا جيد.. كلامه متطابق تقريبا.. أن هناك إرهابا محتملا.. أن الإرادة الشعبية تحكم.. أن التفويض للجيش والشرطة.. وقد حدث هذا بالفعل ونزل المصريون وفوضوا السيسي والجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب.. وحتى لو لم يكن البعض حينئذٍ ولا الآن راضيا بهذا، فقد فرضت الديمقراطية بما للأغلبية فيها من تغليب الإرادة، فرضت قرارها بالتفويض وقضي الأمر.


ما علاقة هذا بمقارنة ما نحن فيه بحادث شارلي إبدو؟


العلاقة ذكرها الرئيس- بالمتغطي - في 24 يوليو، وبصريح العبارة ومختصرها في كلمته يوم السبت.. في خطاب المطالبة بالتفويض قال: "من فضلكم يامصريين تحملوا المسؤولية مع الجيش والشرطة".. وفي كلمته يوم السبت قال: " إحنا مش اتفقنا إن دور بناء مصر مشترك بيننا وبينكم، دور القضاء في إجراءات ضبط سريع ده مش دور أنا ماليش دعوة ومش هعلق عليه، والإعلام مش له دور في رسالة وعي حقيقية في حرب إحنا بنخوضها دلوقتي وأجهزة الدولة كلها".


في الإعلام الغربي ينتقون الكلمات بعناية ويرسمون الصورة بدقة ويعرفون متى يستخدمون كلمة الإرهاب ومتى يبتعدون عن استخدامها.. وأي صورة تثير المتلقي وإلى أي مشاعر تأخذه.. في الإعلام الغربي يسوقون خبر إرهاب سيناء والحرب الدائرة فيها في خبر لا تتعدى كلماته المائة كلمة، وإن ظهرت فيه صورة تكون صورة جنود جيش مصر في صناديق الموتى، بينما يتابعون "إرهاب" شارلي إبدو 24 ساعة على قنواتهم بحيث ترى الصورة نفسها ومقطع الفيديو تسعين مرة في اليوم وتنام تحلم به وتصحى لتجده أمامك ولا ترى إلاه.


في الإعلام المصري يضطر الرئيس أن يعلن بنفسه "قلتلهم خلوا بالكم مفيش أخبار عن الجيش عشان الروح المعنوية".. في الإعلام المصري أي صورة وأي كلام ممكن يطلع ويتقال.. لو تم منع الصحفيين والمراسلين والكاميرات من الاقتراب إلى حد معين من مكان الأحداث، تقوم الدنيا ولا تقعد حتى لو كان المنع لأسباب منطقية.. وننسى أو نتناسى أن متابعتنا للقنوات الاخبارية الغربية طوال حادث شارلي إبدو كانت من كاميرات تقف على بعد كبير جدا من موقع الحدث وكان المراسلون تقريبا لا يقولون شيئا عما يحدث ويخبرون المشاهد أنهم في انتظار التصريحات الرسمية.. في الإعلام المصري ننقل عن أي أحد أية تصريحات ولا ننتبه لتأثيرها على المواطن.


مصر لا تدفن جنودها.. مصر تحارب الإرهاب وجنودها يواجهونه.. أرجوكم فلنعمل باحترافية.. ولنعلم أن حرب الإعلام مع الإرهاب أكثر ضراوة من الحرب على الأرض.. أرجوكم فلنتحمل بعض المسؤولية.. وللموضوع بقية.