التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:12 ص , بتوقيت القاهرة

مشهد قتل مع شاي بالحليب

في الصباح بدأتُ يومي بالاطلاع على الأخبار، قرأت خبر مقتل الشهيد أيمن الدسوقي، والعثور على جثته مصابا بطلق ناري في الرأس، الخبر الحزين لم يكن وحده على قائمة الأخبار المزعجة يومها، مر أمام عينيَ كغيره، آلمني ثم مضى.


بعدها بأيام، وجدت فيديو مقتل الشهيد ذي الثلاثين عاما، ولأنني لا أسعى بإرادتي لمشاهدة مثل هذه المشاهد، تجاهلته في بادئ الأمر، ثم لم أستطع مقاومة فضولي، قررتُ المشاهدة دون المساهمة فى النشر عن طريق المشاركة فى شبكات التواصل، ورغم أنني أعرف من البداية أنني أمام فيديو يتضمن عنفا؛ إلا أن ذلك لم يخفف من مقدار الصدمة، صدمة زاد من وطأتها، سلوك تلقائي صدر مني، ثم أوجعني.


أتدرون ما هو؟ قبل أن أبدأ بمشاهدة الفيديو، توجهتُ دون قصد إلى مطبخي، وأعددت كوبًا من الشاي بالحليب، مشروبى المفضل، وأدائي هو نفسه المعتاد حين أستعد لبدء عمل يحتاج إلى التركيز أو أتوقع أن أستمتع وأنا أؤديه، حملت الكوب، وخرجت من المطبخ، جلست أمام جهاز اللاب توب، وهممت بتشغيل الفيديو، ثم انتبهت لما فعلت، غُصة في حلقي، وألم في المعدة، كما هي العادة حين أشعر بالتوتر، تزامن ذلك وأصابعي تتجه لزر التشغيل.


بدأ الفيديو أمامي، لم أحتمل الصوت، يُذكرني بعامين مُرين قضيناهما مع أصوات كهذه، تطالعنا من الشاشة ومن الراديو، ومخاوف لم تتركني ليلة واحدة، من أن هذا هو الآتي لو أن معجزةً لم تحدث، تابعت الدقائق القليلة التي تستعرض عملية خطف نقيب الشرطة، ثم الرسالة التي قالها مجبرا قبل مقتله، ثم إطلاق النار على رأسه من الخلف، وأنا أشعر بتوتر شديد، توتر من هول الموقف بالطبع، ومن أنني أتابع ذلك وأنا أجلس في بيتي، على أريكتي المريحة، أتناول مشروبي المفضل، وأننى الآن أشعر بالحزن، وسأتألم لأمه وأبيه، وابنته وزوجته، وأننى أعرف أني سأخاف كلما تذكرت مشهد القتل، لكنني أتناول مشروبي المفضل، وسأطفئ الجهاز بعد قليل، وسيصبح ما رأيت مشهدا مضى وحسب، سينتهى غالبا قبل أن ينتهي مشروبي، وسأضع الكوب على المكتب ثم أمضي.


هذا ما آل إليه الأمر، أصبحت مشاهد العنف جزءا لا يتجزأ من حياتنا، وصرنا نمارس مشاهدتها كحدث عادي، لكن.. ما تأثير ذلك علينا في المستقبل؟


لا أعلم، ولا أعرف لما أفزعني هذا الفيديو تحديدا، لكنني بحاجة لأن أفهم؛ ذلك أن جزءًا مني ينفر من ذلك التفاعل الذي يكاد يكون طبيعيا مع فيديوهات وصور القتل، أيا كان تعاطفنا مع الضحية أو بغضنا لها، لا أعرف كيف سنتخلص من الأعباء النفسية لذلك، ولا أدري إن كانت قد تركت بالفعل أثرا فينا لا يمحى.