في مثل هذا اليوم.. "جمعة الغضب" ملحمة لن يمحوها التاريخ
في مثل هذا اليوم، وتحديدا منذ 4 أعوام، خرج آلاف المصريين، إلى الشوارع والميادين، عقب الانتهاء من صلاة الجمعة، بمطالب تنحصر في كلمة واحدة هي "ارحل"، وجّهت للرئيس الأسبق مبارك، ورموز نظامه، وعلى رأسهم وزير الداخلية وقتها، حبيب العادلي، كلمة واحدة حملت كل هذه المعاني بين حروفها.
يوم عيد الشرطة الموافق 25 يناير، قرر الشباب النزول في تظاهرات سلمية بالميادين، للمطالبة بإقالة وزير الداخلية، حبيب العادلي، الذي انقضت قواته على المتظاهرين السلميين، واستخدمت ضدهم القوة المفرطة، لتكون قنابلهم المسيلة للدموع وأسلحتهم المطاطية والمائية، قوة انكسرت أمام إرادة الشعب المصري، حيث قرر هؤلاء أن يكون يوم 28 – 1 - 2011، بما عرف بـ"جمعة الغضب"، هو آخر مسمار في نعش رجال حبيب العادلي وقتها.
وجاء هذا الحشد الهائل من أبناء الشعب اعتراضا على الحل الأمني، الذي كان الدافع الحقيقي وراء ثورة يناير، ورفع سقف مطالبه من إلغاء قانون التظاهر وإقالة العادلي، لتطالب برحيل نظام مبارك بأكمله.
خطوط التليفونات "مرفوع مؤقتا من الخدمة"
في الساعات الأولى من صباح جمعة الغضب، أعلنت شبكات الاتصالات أنها خارج الخدمة، حيث جاءت هذه الحادثة لتترك مصر بالكامل دونما وسيلة اتصال واحدة، أو طريقة قد تساعد على تجمع المتظاهرين اللذين تخلوا عن هواتفهم، وقرروا النزول لتجمعهم بالصدفة، ليتجهوا جميعا إلى وجهتهم المحددة سلفا، وهي ميدان التحرير، ولم يعلم النظام حينها أن هذا يؤدي إلى تكوين صداقات جديدة للمرة الأولى، في مشهد لمظاهر التلاحم الشعبي والتواصل بين الناس في الشارع.
كر وفر في محيط القضاء العالي.. بداية القصة
شهد هذا اليوم على العديد من الأحداث الدامية وسقوط أقنعة لن تستطيع الصعود ثانية، فيبدأ المشهد بمحيط دار القضاء العالي، الذي شهد كرا وفرا بين المتظاهرين وقوات الأمن التى أطلقت الغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريق هؤلاء المتظاهرين، الذين رددوا هتافات ضد حكم مبارك، منها "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"علي علي الهتاف إحنا الشعب ومش هنخاف"، و"يسقط يسقط حسني مبارك"، و"ارحل".
كوبري قصر النيل
وأعلى كوبري قصر النيل، ارتفع هتاف واحد، لم يكن الاتفاق عليه معلنا، لتهتز أرجائه بمن فوقه من قوات أمن مركزي احتشدت على المخارج، تاركة للثوار حرية التقدم لمحاصرتهم، مسافة قصيرة فصلت بين الصفوف الأمامية وطلقات الرصاص الحي وقنابل الغاز التي ارتفعت أدخنتها لتحجب رؤية السماء.
حيث تعتبر ملحمة أهم شاهد علي أحداث "جمعة الغضب"، وذلك عند رؤية مشهد مدرعات الأمن التي اخترقت صفوف المتظاهرين، وآخر لخراطيم المياه التي انهمرت على المصليين، ومشاهد أخرى تنوعت بين رصاص حي اخترق الأجساد عشوائيا، ومدرعة دهست المتظاهرين، وغيرها من المشاهد التي رسمت ملحمة كوبري قصر النيل، تاركة خلفها مكانا ثابتا في فصول تاريخ الثورة المصرية.
وفي المطرية، عصر يوم جمعة الغضب، حرق المتظاهرون 10 سيارات تابعة لقوات الشرطة بالكامل، مع عدد من السيارات الأخرى التي كانت تستخدمها قوات الأمن لنقل الشباب المقبوض عليهم، وفي نهاية اليوم انسحب رجال الشرطة.
ولم يقتصر المشهد على القاهرة فقط، بل نزل الثوار إلى الشارع في جميع ميادين ومحافظات الجمهورية، وقاموا بأحداث عنف للتصدي إلى اعتداء قوات الأمن حينها على أي تجمعات لإنهائها، ما زاد من إصرار وعزيمة المتظاهرين لحرق ممتلكات الداخلية، من سيارات ومباني وأقسام، حيث تم الاعتداء على معظمها وحُرق أغلبها.
حريق الحزب الوطني
وأحرق المتظاهرون أيضا المقر الرئيسي للحزب الوطني الواقع بالقرب من ميدان التحرير، كما دمرت مقرات الحزب في أغلب المدن والمحافظات، لتنسحب قوات الأمن، ويعلن الشعب سيطرته على البلاد.
وأثبت الشعب المصري للعالم أجمع، أن مطالبه وعزيمته يجب أن تنفذ، كما أعطى للجميع درسا في حماية البلاد والمناطق، فرأينا "اللجان الشعبية" التي اشترك فيها أغلب أفراد الشعب، دون النظر إلى ديانة أو عقيدة أو غيره، فالجميع كان يهدف إلى حماية المنازل والمنشآت من التدمير، خاصة بعد الاستغلال الخاطىء لأحداث العنف، الذي وقع على إثره اقتحام السجون وهروب الألاف من المجرمين.