إثيوبيا من مطارها
لا شيء قادرا على تشكيل انطباعاتك عن البلاد الجديدة مثل مطاراتها.
المطارات الأوروبية متشابهة، تعطيك التعليمات وتتركك لحال سبيلك، وليس فيها كثير من التداخل الشخصي والأسئلة. كل شيء مميكن (آلات تفتيش، آلات كشف تزوير، بصمة عين، بصمات إلكترونية. بحيث يعرفون عنك كل ما يريدون معرفته دون أي تداخل معك. والالتزام فيها بالقانون صارم. وهي بعد هذا مطارات متقدمة ونظيفة. مثلها المطارات الأمريكية مع قدر أقل من الصوابية السياسية.
في أمريكا الآتون من بلد تخرج إرهابيين سيتعرضون لتفتيش شخصي لا محالة. دون احتياج إلى الادعاء بأن هذا اختيار عشوائي. لا. هناك حروف تكتب على الباسبور تصنف الناس وبمقتضاها تكون درجة التفتيش.
مطار موسكو لم يتخلص بعد من البارانويا والارتياب الشيوعي. ومثله مطار دمشق، ألف سؤال يوجه. على عكس أوروبا تماما، يسببون لك ضيقا أكبر ويحصلون على معلومات أقل كثيرا. هذا بالإضافة إلى تراكم عدد غير مبرر من الموظفين حول كل جهة مصلحة.
مطار القاهرة تعرفونه. رغم التطوير الإنشائي الذي تم فيه فإن ثقافة الإكراميات، وأوراق التواليت، وعدم الحصافة في التعامل مع الآخرين - مصريين وأجانب - لاتزال حية ومسيطرة. ويتشابه مع مطار سوريا في سيطرة الذكور، وفي ملاحقة سائقي التاكسيات، ويتفوق عليه في كمية الموظفين المتراكمة بلا داعٍ مهني.
كل ملمح من هذا ممتد من المطار إلى الحياة السياسية، الأداء الحكومي، سلوك الناس في الشارع، ثم طريقة إدارة الاقتصاد في البلد.
بعض المطارات فقيرة لكنها ونوسة كبعض مطارات أمريكا اللاتينية والمدن الداخلية في جنوب أوروبا واليونان، وبعضها فقير لكن كفء، وهذا الأخير يصف مطار أديس أبابا التي أزورها لأول مرة.
صحيح أن الرحلة وصلت في الساعات الأولى من الصباح، لكن حتى هذا التوقيت لا يحجب لمحات أساسية.
بواقي التنظيم، اصطفاف مكاتب الخروج وفحص الجوازات على مسافة واسعة عرضيا، وسرعة إنجاز الإجراءات، وميكنة حديثة في الحصول على المعلومات المطلوبة. فحص بكاميرا، بصمات أصابع الكترونية، جهاز كشف إلكتروني عن جوازات السفر. في كل مكتب من تلك شخص واحد فقط، وينظم مرور المسافرين شخص واحد فقط.
عند مكان استرجاع الحقائب يقف على حزام نقل الحقائب الآلي شخص واحد فقط. يساعد المسافرين إن طلبوا منه. ولا يتبع المساعدة بعبارة "كل سنة وانت طيب" ولا هابي نيو يير، ولا حتى أغنية كل يوم جديد يا روحي كل يوم جديد، عيد ميلاد سعيد يا روحي عيد ميلاد سعيد.
بمجرد الخروج من صالة الوصول نرى منتظرين ملتحفين ببطانيات. مستوى الشوارع القريب من المطار فقير. مستوى الملابس وهيئة الناس في الشوارع فقير. الأوتيل الذي نزلنا فيه فقير، ورائحته سيئة، والإنترنت فيه ضعيفة، رغم أنه ليس رخيصا، 200 دولار في الليلة.
ما الانطباع الذي خرجت به من إثيوبيا؟
بملاحظة التناغم والاتساق العام لمظاهر الفقر، مع وجود إضافات كفؤة من مظاهر التحديث، يقوى الانطباع بأن هذا بلد فقير يصعد. يذكرني بكولومبيا في أمريكا اللاتينية.
لا تفاجئك مثل تلك البلدان بأبهة مهملة، ولا بشوارع تشبه ما تراه في أوروبا، لكنها رثة ومهترئة، كما في مصر، وغيرها من البلاد التي تدهورت من وضع أفضل كانت عليه في السابق.
دعنا من الانطباعات. ولنقف مع حقيقة واحدة من المطار. الخطوط الجوية الإثيوبية صارت مصدرا أساسيا للدخل القومي ينقل رحلات إلى 101 مطارا للمسافرين، و23 لرحلات البضائع، في مقابل 78 فقط لمطار القاهرة. كان مفترضا منذ زمن طويل أن تتحول مصر إلى نقطة التقاء للنقل الجوي، كما سنغافورة في الشرق، ثم دبي في الخليج. لكن المسعى تأخر كغيره. والآن - حتى في إفريقيا - سبقتنا إليه أديس أبابا.