العلاقات السعودية الأمريكية.. سنوات الشد والجذب
?فى عام 1945، شهدت السفينة الحربية الأمريكية "كوينسي" أول لقاء يجمع مؤسس المملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وقتما كانت تتخذ مياه قناة السويس ممرا لها إلى آسيا، ويؤكد أغلب المؤرخون أن نتاج اللقاء كان الحماية العسكرية الأمريكية لأقطار المملكة، في مقابل توفير احتياجات حكومة واشنطن من الطاقة والبترول.
واليوم الثلاثاء 27 يناير/كانون الثاني يؤدي الرئيس الأمريكى باراك أوباما واجب العزاء في أحد أبناء مؤسس السعودية، الملك عبدالله بن عزيز ملتقيا خليفته سلمان، ولكن الشراكة استمرت منذ وقت إبرام الاتفاق وحتى اليوم برغن تنوع المفردات وتبدل الأولويات.
ولم يمر أسبوع على تولي الملك سلمان زمام الأمور و تزايد تساؤلات المراقبين حول مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، خصوصا مع الخلافات فى وجهات النظر بين واشنطن و الرياض، و التى لا يتردد كليهما في الجهر بها، حول التعامل مع قضايا المنطقة من بينها الأزمة السورية.
لكن يبدو أن طبيعة العلاقات بين البلدين قد تشهد فترات محددة من التوتر وسرعان ما تعود للاستقرار، ارتكازا لثوابتها الرئيسية، خصوصا بعدما تبين ذلك على مدار أكثر من 14 عاما وتحديدا منذ حادث 11 سبتمبر/أيلول و حتى اليوم.
هذا ما أكده أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرياض، خليل الدخيل، فى تصريحه لنيويروك تايمز، حيث قال إن البلدين اعتادا التعايش و التعامل مع بعضهما البعض حتى فى ظل خلافات الرؤى يينهم.
وتابع بأنه عقب وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خرجت تسريبات صحفية تحدثت عن صدور تقارير عن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون تحث إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش على توجيه بعض الضربات العسكرية لمواقع في المملكة، خصوصا بعدما تبين وجود تمويل من جانب كبرى العائلات السعودية لتنظيم القاعدة منفذ الهجمات. لكن في النهاية قررت الإدارة الأمريكية إرسال قواتها لأفغانستان، أحد البؤر التى تتبني معاقل التنظيم.
و عقب إعلان الإدارة الأمريكية ذاتها الحرب على العراق و إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، عارض الملك عبدالله تلك الخطوة، خصوصا التدخل العسكري لكنه فى الوقت نفسه سمح للقوات الأمريكية باتخاذ بعض بقاع صحراء شمال السعودية كنقاط للارتكاز و الانطلاق.
ظلت المملكة العربية السعودية مبدية تحفظها المكتوم من ثورات الربيع العربية، لكن فور تدخل الجيش المصري لإنهاء حكم نظام الإخوان في القاهرة أبدت الرياض ترحيبا واسعا بتلك الخطوة، على النقيض تماما مما أبدته واشنطن وهو الأمر الذي نتج عنه فتورا دبلوماسيا فى العلاقة بين البلدين، لكن عقب أشهر قليلة، قام أوباما بزيارة الرياض فى محاولة منه لتخفيف حدة التوتر.
و ظلت الأزمة السورية من بين أبرز الملفات العالقة و المختلف حولها بين الإدارتين، فطالما طالبت المملكة الجانب الأمريكي باتخاذ خطوات عسكرية ضد نظام بشار الأسد أو على الأقل تسليح "المعارضة السورية المعتدلة" أو فرض عقوبات على نظام دمشق لـ"استخدامه السلاح الكميائي ضد المدنين"، فيما اكتفى الرئيس الأمريكي بوصف استعمال الأخيرة بالـ"خط الأحمر" دون إبداء استعداده لتوجيه أي ضربة عسكرية للقوات النظامية في سوريا.
لكن اليوم، تشارك المقاتلات الجوية السعودية في تحالف عسكري مكون من أكثر من 40 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة لقصف معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" أو "داعش"، بعد أن سيطرت على أجزاء كبيرة من شمال العراق و جنوب شرق سوريا.
و يرى أستاذ العلاقات الخارجية لدي جامعة تكساس، جروجرى جوز، أن البلدين "أقرا بوجود عدو مشترك".
و قال جوز لواشنطن بوست "أتصور أن السعودية أدركت خطورة تنظيم داعش، فقد يتم تعليق مناقشة مستقبل الأزمة السورية لحين انتظار ما ستسفر عنه مواجهة التنظيمات الجهادية فى المنطقة".
لكن أصوات أخرى ترى أن الولايات المتحدة قد تكون مدينة للمملكة على خلفية قيام الأخيرة باستغلال نفوذها فى منظمة "أوبك" ومساهمتها في النزول بسعر برميل البترول عالميا إلى أقل من خمسين دولارا، ما يعتبر بمثابة ورقة ضغط كبيرة على إيران، التي يمثل النفط قرابة ثلث ناتجها القومي.
ويرى مراقبون أن تلك الخطوة تصب فى مصلحة الولايات المتحدة التي قد تستخدم أسعار النفط كورقة ضغط فى مفاوضتها مع طهران على تحديد سقف قوة برنامجها النووي.
لكن فى المقابل، يبقى أن نرى ما ستقدمه واشنطن فى المقابل لإرضاء الجانب السعودي الذي ينظر بعين الشك لإيران كونها حكومة شيعية تدعم عدة حركات أصولية فى المنطقة أبرزها الحوثيين، الذين أصبحوا بمثابة المسيطرين على زمام الأمور فى اليمن، الملاصقة للحدود السعودية من الجنوب.