جمهورية يناير المجيدة
سمِّها كما يروق لكَ، إن كنتَ ثوريًا تحلم باليوتوبيا الكاملة، سمِّها ثورة 25 يناير المجيدة. إن كنت مُنّظرًا نُخبويًا يراها مجرد فورة احتجاجية قادتها طلائع من شباب بريء يرنو إلى التغيير، سمِّها إذن احتجاجات 25 يناير. إن كنتَ من مواطني ما اصطُلح على تسميتها "بالدولة العميقة"، وترى 25 يناير مؤامرة كونية حِيكت بإحكام لهلاك مصر وشرذمتها، سمِّها إذن مؤامرة 25 يناير.
فلتسمِ كل قبيلة صنمها بالاسم الذي يتفق وعقيدتها الينايرية، وسيأتي الحجيج من حدب ومحلة، كي يشهدوا منافع جمهورية يناير الجديدة.
واقع الحال يقول إن مصر لم يعد لديها يناير واحد، تقصده كل عام للتبرك واستحضار شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والبكاء على شهداء، تزعم كل قبيلة أنها وليّ الدم لهم، وأن غايتها القصاص لهم.
لكل قبيلة ينايرها الذي تبكي تحت حائطه، قبيلة ترى الشرطة وأجهزة الدولة، عدوها الأول والأخير، وهي من أجل ذلك، تسعى لشيطنة الجهاز الأمني في ذهنية الجموع، كي يبقي العداء قائمًا والخصومة مُحتدمة، وهي لا ترى في الأفق حلاً، إلاًّ بزوال الشرطة من مجالها الثوري.
وقبيلة تُبارك الإرهاب والقتل غيلةً واغتيالاً، وهي تركب يناير كحصان طروادة إلى مطامعها، وبالطبع لها في يناير مآرب أخرى ضمن مشروع إقليمي ودولي يستخدم القبيلة لمراميه.
لا أعرف أي يناير ستتذكره الأجيال القادمة، وقد باتت شرائح واسعة من الشعب المصري ترفض العيش في جمهورية يناير المجيدة، التي صاغتها كل قبيلة وفق تصوراتها لمصالحها الخاصة، أصبحت تلك الشرائح ترفض أن تُحكم من الشارع والميدان بشرعية الحشد والهتاف تحت دخان شماريخ الثورة ومنطق الأولتراس، ترفض أن يكون يناير حصان طروادة الجديد الذي يعيد الإخوان بكل فشلهم وإرهابهم إلى المشهد مرة أخرى، ترفض أن يكون يناير إعادة إنتاج جديدة لفساد دولة الحزب الوطني وشيوع عدم العدالة والمحسوبية.
يتذكر سواد المصريين يناير واحدا فقط، هو يناير التغيير والإزاحة، يناير الذي منحهم الأمل في عصرٍ جديد بقيادة جديدة تؤسس لحكم ديمقراطي يراعي الأخطار والتحديات التي تحيق بالوطن من الداخل والخارج.
يناير يمنح الجميع "تايم أوت" لطي الصفحة والبدء في العمل الحقيقي من خلال المؤسسات والدستور، وليس من خلال إنهاك الوطن في الميادين والشوارع، واستدعاء منظمات وجمعيات بالخارج لا يخلو عملها من تحيزات وهوى للتدخل في الشأن المصري. يناير أصبح حضّانة آمنة، لقوى الإرهاب لاستعراض إرهابها وإعمال آلة القتل في الشعب، تحت زعم استعادة يناير.
قبائل يناير أصبحت مثار نفور المصريين، بعدما اختطفوا فعل التغيير، ونصّبوا من أنفسهم سدنة ومفسرين لكل الطلاسم الينايرية. الشعب يرفض العيش في جمهورية يناير المجيدة، ويطلب الهجرة منها إلى لحظة يناير العبقرية التي أحدثت التغيير، كي ننتقل من فعل الثورة إلى فعل العمل. لم يعد لدى الوطن القدرة ولا ترف تعطيل حياة الملايين، من أجل البقاء تحت منصة الهتاف من الشارع في جمهورية يناير.