رحيل ملك التحديات
عاشت المملكة العربية السعودية منذ نشأتها في مواجهة أكثر من تحد، لكن تحديات الألفية الثالثة فاقت كل ما قبلها. الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر وضعت المملكة في موقف حرج بين حلفائها وبين الداخل. ثم حرب العراق في 2003 التي وسعت نفوذ إيران، خصمها الإقليمي. قبل أن يتجرأ هذا النفوذ على تخطي خط أحمر في العلاقة مع السعودية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري في 2005.
بعد سنوات من وضع إقليمي ركيزته السعودية ومصر وسورية، بحيث تقوم الأخيرة بدور حلقة الوصل مع المحور الإيراني، إذ بالسعودية تفقد سورية بالتدريج، حتى تختم سورية على هذا الشقاق أثناء حرب 2006 بخطبة بشار الأسد - “أشباه الرجال” - الشهيرة.
هلال شيعي يتشكل ثم يتحول إلى أمر واقع على الحدود الشمالية للسعودية والخليج. هذا تحد كاف لأي دولة. لكنه ليس أكثر من جزء واحد مما سيحدث.
وجود قوي للقاعدة في اليمن، الحدود الجنوبية للمملكة. وصعود سياسي وعسكري للحوثيين.
ثم يأتي “الربيع العربي”، تكاد السعودية تفقد أقرب حلفائها خارج الخليج، مصر. وفي ظل تعاطف إعلامي عالمي تصل الأزمة إلى حليف أقرب، البحرين.
كان على الملك عبد الله أن يتعامل مع كل هذا، سواء حين كان وليا للعهد ويحكم فعليا أم حين تولى الحكم رسميا في 2005.
الانتقال السلمي للسلطة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، ومع ترتيبات أخرى في ولاية العهد، وحشد القادة الإقليميين، والشخصيات العالمية، الذي حضر الجنازة، مؤشر على مدى نجاح الملك في مهمته.
لن نستطيع أن نتطرق إلى هذا دون أن نحدد أولا ما مهمته؟
مهمة الملك الراحل كما مهمة الملك سلمان تتلخص خارجيا في ثلاث محاور، المحافظة على أمن واستقرار السعودية والخليج. تعزيز دور السعودية كقوة إقليمية، وذلك بدعم تحالفاتها وحلفائها، ثم استخدام أوراق السعودية في تحقيق ثقل دولي يخدم مصالح المملكة وحلفائها.
بالنظر إلى قائمة التحديات التي سردتها سابقا، لقد نجح الملك عبد الله في هذا حتى وفاته. وترك للملك سلمان ثقلا إقليميا ودوليا واثقا من نفسه، لكنه أيضا ترك له تحديات كبرى، أبرز استعاراتها كانت سيطرة الحوثيين على القصر الرئاسي في اليمن بينما الملك عبد الله لا يزال على فراش الموت. ثم الجنازة التي حضرتها رؤساء دول حصل الملك الراحل على احترامهم لكنه لم يحصل على مباركتهم لسياساته تماما، ومنهم من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم مراقبون منافسيه الرئيسيين على زعامة، في مستوى أو آخر.
أما داخليا، فمهمة الملك ضمان الاستقرار والأمن، وتطوير المجتمع بما يتواءم مع إيقاع العالم الذي نعيش فيه. الركن الأساسي في الحفاظ على الاستقرار، الأمير محمد بن نايف موجود الآن في الصف المتقدم من السلطة، كولي لولي العهد. هذا يشير إلى أهمية هذا الملف. ويشير أيضا إلى الملف الآخر، التطوير على مستوى القمة وعلى مستوى القاعدة.
وجود الجيل الثالث من العائلة، جيل الأحفاد، في صفوف المقدمة إشارة إلى إدراك الحكم في السعودية لأهمية التجديد. وقد كان للملك عبد الله في هذا الإطار محاولات عملية.
كما كانت له محاولات تطوير على مستوى القاعدة، بالتوسع في المعاهد التعليمية والبعثات التعليمية. سياسة ربما لن تؤتي ثمارها بين ليلة وضحاها.
لا شلك أن الملك سلمان بن عبد العزيز كان متابعا لكل هذا عن قرب، رأى إمكانياته ومعوقاته، وبالتالي يدرك حجم المهمة التي عليه أن يقوم بها.