التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:05 ص , بتوقيت القاهرة

الإخوان وإقرارات التوبة

قفزتْ إلى واجهة الأحداث مؤخرا أخبار عن إقرارات، يكتبها بعض أعضاء جماعة الإخوان يؤكدون من خلالها تأييدهم للدولة المصرية وللنظام السياسي، ويتبرأون من العنف بكل أشكاله، فضلا عن التبرؤ من الصلة بجماعة الإخوان، التي عدها النظام السياسي جماعة إرهابية واستدعى في هذا السياق حديثا متجددا حول المراجعة، في إشارة إلى تجربة الجماعة الإسلامية في منتصف التسعينيات والتي جاءت نتيجة مبادرة ذاتية من أبرز قيادات الجماعة وقتها كالدكتور ناجح إبراهيم والشيخ كرم زهدي، وسمحت الدولة وقتها بنضج المبادرة وتوفير الأجواء لنجاحها، بالسماح لتلك القيادات بالتواصل مع قيادات أخرى خارج مصر وجلب الكتب والمراجع العلمية التي أنتجت كتبا ستة تُمثل أهم المراجعات التي أنجزتها الجماعة الإسلامية، التي عاد جل عناصرها عن تلك المبادرة بعد شعورهم بالتمكن، في ظل نظام الإخوان ثم خروج الإخوان السريع من الحكم بعد عام.


يبدو السياق مختلفا في المقارنة بين تجربة الإخوان وتلك التجربة، فجماعة الإخوان ليست مجرد فصيل إسلامي صغير نَشَطَ بعض أنصاره في عنف هامشي، سواء في المظاهرات أو الجامعات أو الشوارع في أعقاب تنحيته عن الحكم، بل هي حركة اجتماعية وسياسية بلغت من العمر أكثر من خمسة وثمانين عاما وهضمت في محاولات وصولها لحكم مصر أنظمة ملكية وجمهورية، الحركة التي توسلت بالفراغ الذي تركه غياب الدولة فنشطت في مجالات العمل الخيري والاجتماعي، واكتسبت ثقة قطاعات واسعة من المجتمع المصري وصنعت لها قواعد وحواضن. 


عرفت الجماعة مفردة التوبة والمراجعة تاريخيا في أعقاب الصدام الثاني مع جمال عبد الناصر في منتصف الستينيات، عندما أدركت بعض رموزها وقياداتها عبثية الصدام المُتكرر مع الأنظمة خصوصا مع نظام وطني كنظام ناصر، بدت انحيازاته واضحة من أول لحظة، وبالتالي قررت بعض تلك الرموز إضافة إلى بعض قواعد الجماعة أن الصراع هو صراع سياسي، يخضع لتنوع الآراء وليس صراعا دينيا كما حاول البعض أن يدعي، وبالتالي فلا غضاضة من الانسحاب في مواجهة قوة ناصر والتفاف الشعب حوله، والعودة لإستئناف حياتهم كجزء من هذا الوطن وليجري عليهم ما يجري على كل المصريين.


 فظهرت داخل السجون على استحياء ما سميت وقتها ببرقيات التأييد للنظام الحاكم، والتي كانت تعني عودة أصحابها عن هذا الفكر والكف عن مناهضة النظام، وخرج العديد من هؤلاء الأعضاء والقيادات من السجون ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي، ومثلت مرحلة وجودهم في صفوف الجماعة جزءا من تجربتهم الحياتية التي أفادتهم على أكثر من صعيد، إلى هذا الحد والأمر عادي، لكن قيادات النظام الخاص التي كانت تدير الجماعة وقتها أو بالأحرى قيادات التيار القطبي، التي مثلت الامتداد الطبيعي لهذا النظام تعاملت مع الأمر باعتباره تهديدا وجوديا للتنظيم، بأن يتحول الخلاف مع ناصر والدولة إلى مجرد خلاف في وجهات النظر السياسية، يخرجه من حالة الإطلاق التي لا تحتمل سوى خيارات حدية إلى النسبي الذي يحتمل طيفا لونيا واسعا من الخيارات.


ومن ثم حولت الجماعة الأمر إلى محنة سمتها محنة التأييد وتحركت ماكينة الفقه الجاهزة، لتنسج وزرا او تهمة جديدة اسمها الركون للظالمين وموالاتهم والدخول في معسكرهم وتحت مظلة وتحت مطارق الولاء والبراء دبجت التهمة، وتحول هؤلاء إلى خونة لدى إخوانهم خانوا الدين والوطن، وما أراد هؤلاء إلا إنقاذ ما تبقى منهما في وعي الناس الذي شوشته الجماعة بسيرتها ومسيرتها، لا تزال أدبيات الجماعة تتحدث عمن تقدموا ببرقيات التوبة باعتبارهم من سقط في الفتنة التي ترقى لديهم إلى فتنة تبديل الدين وخيانة الله ورسوله.


وعلى ذلك أحاطت الجماعة أعضاءها بهذا السياج الذي صنع في الوعي الجمعي للأعضاء قناعة راسخة بأن الخروج من تلك الجماعة والتفكير فيما يفعله القادة، هو ضرب من ضروب الفتنة يرقى إلى التولي يوم الزحف، فقافلة الإخوان المباركة هي زحف مقدس لتمكين الشريعة، وأي تأخر عن تلك المسيرة أو خروج من الصف هو كأحد السبع الموبقات التولي يوم الزحف، يعود الحديث عن الأمر الآن من خلال ظهور بعض إقرارات التوبة، التي كتبها البعض من المحسوبين على الحالة السياسية وليس الدعوية للجماعة، كحيلة قانونية قد تحس الموقف القانوني لدى البعض، أوإدراك حقيقي من البعض أن مركب الإخوان توشك على الغرق، وأن عليهم أن يلحقوا بسفينة الدولة المصرية قبل فوات الأوان.