اليمن.. تاريخ من الانقلابات
رسم تاريخ اليمن الحديث جانبا مهما من تاريخ المنطقة العربية بالكامل ومنها مصر، أحد أهم صناع القرار في القضية اليمنية حتى وقت قريب، إلا أن انشغال القاهرة بالداخل لن يؤثر على اهتمامها بمصالحها التجارية خاصة في مضيق باب المندب المنفذ الحيوي لقناة السويس.
وبدأت علاقة القاهرة بالأحداث اليمنية في عام 1955، عندما كانت مصر تتحسس طريقها بعد تولي الزعيم جمال عبد الناصر مقاليد السلطة في البلاد، وقام قائد جيش اليمن المقدم أحمد بن يحيى الثلايا بمحاصرة قصر الإمام أحمد حميد الدين في تعز.
واختلف قادة الانقلاب آنذاك على تحديد مصير الإمام، فمنهم من رأى قتله ومنهم من رأى تعيين أخيه "سيف الله" عبد الله بن يحيى حميد الدين.
وفي ذلك الوقت قصت نساء بيت حميد الدين شعورهن وأرسلنها في أظرف إلى القبائل ومعها عبارة "يا غارة الله بنات النبي" من باب إثارة حمية القبائل الزيدية للدفاع عن أعراض بنات بني هاشم المنتميان للأسرة الحاكمة.
القبائل الزيدية لبت النداء وشنت هجوما على تعز وأفشلت مخطط الضباط واعتقل أحمد الثلايا و"حوكم" في ملعب لكرة القدم في المدينة وحكم عليه بالإعدام، وقال حينها جملته الشهيرة :"قبحت من شعب أردت لك الحياة فأردت لي الموت".
اندلعت ثورة أخرى في 26 سبتمبر 1962 استطاعت إسقاط المملكة المتوكلية وتدخل فيها الجيش المصري لصالح الثوار، ووقفت السعودية والأردن وبريطانيا إلى جانب الإمام البدر وثار الشعب لأن الحكم الإمامي أبقى شمال اليمن معزولا عن العالم الخارجي، فلا كهرباء ولا بنية تحتية للبلاد، إضافة إلى أن عددا كبيرا من ضباط الجيش زار مصر والعراق وساءهم تخلف اليمن مقارنة بتلك الدول.
وأخرج الإمام أحمد الضباط من السجون وعينهم في مناصب قيادية أملا في طي صفحة انقلاب 1955، وبدأ الضباط وعدد من رجال القبائل بتشكيل خلايا وأول عملية نفذوها كانت محاولة إغتيال الإمام أحمد 1961، واستمرت المناوشات وطلب الضباط دعما من جمال عبد الناصر الذي رد قائلا : "نبارك خطواتكم وسنكون مستعدين لدعم الثورة اليمنية".
تخوفت السعودية من المد الناصري فأرسلت أموالا وأسلحة لدعم القبائل الموالية للإمام البدر واشترك إلى جانب الملكيين قوات من المرتزقة من جنسيات مختلفة، وشكل انسحاب الجيش المصري بعد النكسة عام 1967 ضربة للجمهوريين فحوصروا في صنعاء فيما عرف بحصار السبعين، ورغم تفوق الملكيين والإمدادات التي لا تنقطع، انتصر الجمهوريون وكان من شأن ذلك اعتراف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية.
النزاعات بين الشمال والجنوب
خلافا لألمانيا الشرقية والغربية أو كوريا الشمالية والجنوبية، كانت العلاقة بين شطري اليمن ودية نسبيا. كانت هناك مناوشات قصيرة بين الدولتين في 1972 و1979
وتم توقيع اتفاقية القاهرة بين البلدين في 28 أكتوبر 1972 واتفقا على عدة خطوات تأسيسية للوحدة تم إلغاء الاتفاقية من قبل شمال اليمن لمخاوف من نهج الاشتراكية المتبع في الجنوب، وتم عقد اتفاق آخر في الكويت عام 1979 بين علي عبد الله صالح وعبد الفتاح إسماعيل نص على وحدة فيدرالية بين الشطرين، حكومة في صنعاء وأخرى في عدن.
وفي نوفمبر عام 1989 وقع علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض اتفاقية تقضي بإقامة حدود منزوعة السلاح بين البلدين والسماح للمواطنين اليمنيين بالتنقل بين الدولتين باستعمال بطاقة الهوية، وتم إعلان الوحدة رسميا في 22 مايو 1990 واعتبار علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض رئيسا للوزراء.
حرب 1994
قامت حرب أهلية بين شهري مايو ويوليو بين الحكومة اليمنية والحزب الاشتراكي اليمني وخلفت ما بين 7000 - 10000 قتيل، حيث شعر الجنوبيون أن البرلمان المنتخب لا يمثلهم كون الأغلبية من المحافظات الشمالية لليمن واشتبكت القوات وقدم أنصار علي ناصر محمد الجنوبيون الدعم للقوات الحكومية والقبائل، واشترك في الحرب الأحزاب الإسلامية في الجنوب المعادية للحزب الاشتراكي، ودعمت السعودية الحزب الاشتراكي خلال الحرب على الرغم من موقفها المعلن والمعروف من هذه التوجهات السياسية.
نزاع صعدة
اشتعلت شرارة الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين عندما اتهمتهم الحكومة بإنشاء تنظيم مسلح وقامت بتوقيف حسين الحوثي في يونيو 2004.
اشتبك أنصاره مع القوات الحكومية وخلفت المواجهات 86 قتيلا من طرف الحوثيين و32 من طرف الجيش واستمرت المواجهات إلى 10 سبتمبر حين قتل حسين الحوثي في غارة شنتها القوات اليمنية، ومنذ ذلك الحين وعبد الملك الحوثي يتزعم الجماعة، واعتبر والده بدر الدين الحوثي زعيما روحيا لها.
جلب الصراع اهتماما دوليا في 3 نوفمبر 2009 عندما شنت القوات السعودية هجوما على مقاتلين حوثيين سيطروا على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد، واتهم الحوثيون الحكومة السعودية بدعم النظام اليمني ماليا واستراتيجيا عن طريق السماح للقوات اليمنية باستعمال الأراضي السعودية كقاعدة لعملياته.
وتتهم الحكومات اليمنية والسعودية إيران بدعم المتمردين ماليا وعسكريا في شمال غربي البلاد، وقال يحيى الحوثي في لقاء مع صحيفة "تاغيس تساتونغ" الألمانية إن النظام اليمني يستعمل إيران لصرف الانتباه عن الدور السعودي في البلاد.
وطالت الحركة عدة اتهامات من الإعلام السعودي وفقهاء زيدية وسلفية في اليمن ما شأنه أنهم تحولوا عن المذهب الزيدي إلى الإثنى عشرية.
ونشرت وثائق ويكيليكس برقية للسفير الأمريكي مفادها أن الحوثيين يحصلون على سلاحهم في السوق السوداء باليمن ومن عناصر من الجيش اليمني ويسيطر الحوثيون حاليا على كامل محافظة صعدة.
ثورة الشباب
اندلعت مظاهرات شعبية على غرار الثورة التونسية وزادت حدتها بعد ثورة 25 يناير 2011 المصرية، خرج المتظاهرون للتنديد بالبطالة والفساد الحكومي وعدد من التعديلات الدستورية التي كان ينويها علي عبد الله صالح، وقالوا إن مؤشر التنمية البشرية منخفضا جدا في اليمن، إذ تحتل البلاد المرتبة 133 من 169 دولة يشملها التقرير والحكومة اليمنية هي أكثر الحكومات فسادا سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
انقلاب الحوثيين
وكانت آخر محطات الانقلابات في اليمن ما أقبل عليه، الثلاثاء الماضية جماعة الحوثيون من الانقلاب على الرئيس عبد ربه هادي منصور، مبررين ذلك بأنه كان نتيجة فشل الرئيس والحكومة في إدارة البلاد مشددين على وطنية جيش اليمن.