التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 01:18 م , بتوقيت القاهرة

لماذا لن يرد حزب الله الآن؟

هل هو سوء الطالع الذي أوقع أمين عام حزب الله حسن نصر الله في ما وقع فيه؟ 
ما كادت تمضي ثلاثة أيام على المُقابلة المُطولة لنصر الله على شاشة "الميادين"، رافعًا سقف التعبئة والمواجهة المعنوية إلى مستويات جديدة، حتى جاءت الغارة على موكب لعددٍ من قادة وعناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني في القنيطرة، لتضع مضمون المقابلة أمام الامتحان. 


جزم نصر الله أن الاعتداء على محور المقاومة في سوريا وغير سوريا، يعني أن المقاومة سترد، وأن حقها في الرد متوقع في أي لحظة. استفاض في موضعة عبوة مزارع شبعا قبل أشهر، في سياق إدارة حزب الله للخطوط الحمراء مع إسرائيل. أكد أن المقاومة ردت على عملية عدلون، جنوب لبنان، التي سقط فيها عنصر لحزب الله بوصفها خرقا لا يتسامح فيه حزب الله إذ إن القتل "كان عمداً"!!  ألم يُقتل عناصر الموكب في القنيطرة عمدا!؟ ألم يُقتل القيادي حسان اللقيس في قلب أحد مربعات حزب الله الأمنية عمدًا!؟ 


ثم مر نصر الله في سياق المقابلة عشرات المرات على فكرة الجهوزية العالية للحزب عتادًا وعديدًا وتدريبًا وخططًا، مُحذرًا إسرائيل ومتوعدًا إياها بحرب لا قبل لها بها، وإنْ كانت حربًا "لا نريدها ولا نسعى إليها" كما أوضح. 


وفيما كانت الذراع الإعلامية لحزب الله تمضي في التعبئة، وتبني على لقاء قناة "الميادين"، مستفتية الناس حول "المعادلات" التي طرحها نصر الله، جاء الخبر من القنيطرة، فكانت الشاشة شاهدا على حجم الارتباك. تزامنت في نشرة إخبارية واحدة أخبار الغارة في القنيطرة وأثمانها المادية والمعنوية الفادحة، مع تقارير تقول على ألسنة المواطنين أن إسرائيل لا تجرؤ على الاعتداء، وأن الردع وتوازن الرعب يمنعانها من ذلك، في تكرارٍ ببغائي لما جاء في تصريحات نصر الله في اللقاء التلفزيوني. 


كان الفارق هائلا بين ردع مُتخيل وجبروت لم يخرج أبعد من رطانة الخطابة، وبين واقع تستبيحه إسرائيل بطريقة قاسية ومهينة.
هل سيرد حزب الله؟ 


معلقون محسوبون على حزب الله ووسائل إعلام معروفة بتنسيقها الدقيق مع المقاومة في كل ما يتصل بأخبارها، صبت كلها في خانة واحدة، وهي أن لا رد قريب خارج الثبات على ما هي الأمور عليها الآن، لا سيما في سوريا، وهو ما لا يبدو أنه يكفي لحفظ ماء وجه محور المقاومة ولا حماية معنويات جمهورها، الذي خُيل له بعد مقابلة "الميادين" أن الجبهات ستفتح بالتزامن مع "جنريك" الختام. وبالتالي فإنّ حزب الله أمام مُعضلة قاسية. لا يستطيع إلا أن يرد ولا يستطيع أن يرد في الآن عينه ! أقله ليس الآن. 


يقوم هذا الافتراض على أن إيران ليست، الآن، في وارد فتح جبهة مع إسرائيل تضحي فيها بجهد وتركيز وإمكانات حزب الله من دون أن تكون في النهاية قادرة على تغيير جدي في معادلة وجود إسرائيل وواقعها السياسي والعسكري والجغرافي. فحزب الله بعد حرب عام 2006، بات بوظيفة واحدة وهي حماية النظام الإيراني، وما دخوله في سوريا دفاعًا عن نظام بشار الأسد إلا انسجامًا مع هذا الهدف الاستراتيجي للنظام في طهران، التي تعرف أن سقوط دمشق يُمهد لسقوط رأس محور المقاومة في بلاد ولاية الفقيه. 


غير أن هذا الافتراض لا يلغي بتاتًا احتمال الحرب في حسابات إيران، وإلا لما كان عدد من قادة حزب الله وقائدٌ من الحرس الثوري الإيراني تواجدوا في الموكب المستهدف في منطقة القنيطرة. فما كشفته الغارة بموقعها ومستَهدفيها يُشير بوضوح إلى أن طبيعة المهمة التي كان يقوم بها هؤلاء تتصل اتصالًا مباشرًا بالتحضير لمواجهة ما مع إسرائيل من الجولان إذا ما اضطرت إيران لدخول الحرب، إمّا بسبب نجاح مفاوضاتها النووية مع الغرب وما سيستدرجه النجاح من شغب إسرائيلي، أو بسبب فشل المفاوضات، وهو الأرجح، ما يرفع احتمالات الخيارات العسكرية ضد إيران. 


إلى ذلك، فإنّ ما سيؤخر الرد بالضرورة، هو الطبيعة الأمنية للغارة الإسرائيلية على الموكب، وما دلت عليه من خرق أمني عميق لحزب الله في أمنه العسكري وقيادته الميدانية، وهو ما لم يكن ممكنا في غيابه تنفيذ الاغتيال. 


وإذا كان حزب الله لم يستوعب بعد خضّة الاختراق الأمني الذي مثله تجنيد المسؤول الأمني فيه محمد شوربة لصالح الموساد الإسرائيلي قبل أسابيع قليلة، فهو سيجد نفسه مضطرًا لورشة تنقية أمنية ومراجعة شاملة تطول مختلف قطاعاته ما تستلزمه هذه الورشة من جهد ووقت وتركيز سيضاعف من استنزاف طاقة الحزب في لحظة حساسة في المواجهة التي يخوضها. 


غارة القنيطرة وحدت الجبهة اللبنانية السورية بلا شك مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر كبيرة على لبنان. وهذا يعني أننا دخلنا عمليًا في الحرب. أما رد حزب الله فتفصيل في لوحة أكبر وإن كانت الإهانة الأمنية والعسكرية التى تلقاها من قياسٍ كبير جدًا.