أين القانون من منى عراقي والقاهرة والناس؟
هناك طوائف من الشعب المصري حولتها الدولة والمجتمع إلى "ميتين" بالحياة. الضرب فيهم "حلال". وانتهاك حقوقهم مبرر، بل وسيلة معتادة لتحقيق منفعة ضئيلة.
المثليون جنسيا إحدى تلك الفئات. لكن القائمة قابلة للاتساع، والذين يظنون أنفسهم في منأى اليوم، قد يدركون غدا أنها كانت مسألة وقت.
حتى من كانوا في قمة السلطة لم يسلموا، في ظرف معين، من الوقوع تحت طائلة "الرأي العام"، حسب نظرية المثل المصري الشهير "العجل لما يقع بتكتر سكاكينه". أقول حتى هؤلاء، وهذا ظرف استثنائي، لكن الأقليات الدينية، والنساء، ضيوف دائمون على مائدة انتهاك الحقوق، في مرتبة تالية مباشرة لفئة "المثليين جنسيا". تلك فئة تجتمع فيها كل الشروط اللازمة لانتهاك الحقوق الإنسانية العادية، حتى تلك التي يجب أن يتمتع بها المتهمون، انتهاك حقوق مأمون العواقب، من قبل الدولة، ومن قبل المجتمع.
بعد إلقاء القبض على المشتبه بهم في قضية باب البحر، طُرحت أسئلة عن الجهة التي سمحت بتصويرهم عرايا، ونشر صورهم على شاشات الفضائيات، وبحضور مقدمة البرامج منى عراقي. بحيث تم الربط بينهم وبين تحقيق إعلامي عن "التجارة بالجنس المثلي". وفهم المشاهدون وأنا منهم أن هؤلاء، بأعينهم، على علاقة وثيقة بمحل التحقيق (بالتجارة).
هذا انتهاك منظم، بتدبير من جهاز دولة، للقانون. انتهاك يبدأ بتدمير حياة أشخاص، لكنه لا يتوقف عند ذلك، بل يمتد لتدمير علاقة المجتمع بالقانون. وهذه آفة خطيرة لم تستطع مصر حتى الآن أن تدرك خطره. خطره هنا، وخطره في مخالفات البناء العشوائي، وخطره في إدارة الطرق والمرور، وخطره في السياسة، وخطره في الأمن.
انتهاك جهاز دولة للقانون كبيرة الكبائر في الإدارة السياسية، لأنه يجعل كل شيء آخر بلا معنى، ولأنه يقدم المبرر لكل من يريدون أن يخترقوا القانون، بل و"يكسر عين" القانون نفسه.
لا بد للمجتمع، والجهات الحقوقية، أن تقوم بدورها هنا:
القناة الإعلامية التي استبقت القانون وربطت بين هؤلاء الأشخاص وبين تحقيقها الإعلامي لا بد أن تُلاحَق بالقانون.
المسؤولون الإعلاميون، مقدمة البرنامج وغيرها، لا بد أن يُلاحقوا بالقانون.
مسؤولو الأمن الذين سمحوا باختراق القانون لا بد أن يلاحقوا بالقانون.
انتبهي إلى أنني أطالب بملاحقتهم بالقانون، لأنه أفضل رادع. حملات السوشيال ميديا الشخصية لا تعدو كونها "نفسنة"، تنفِّس ولا تنجز، ولا تحقق منفعة، وتضيف هي نفسها إلى خلق الاستهانة بالقانون طبقات، وتفقد المطالبين باحترام القانون مصداقيتهم بسبب وجود هؤلاء في صفهم، وبالتالي تفقد قضية تكريس القانون جديتها.
"وهو فيه حد بيحترم القانون في البلد؟" والإجابة، لهذا نحتاج إلى كتابة مقال كهذا. أوباما وصل إلى رئاسة البيت الأبيض بسبب أناس كافحوا العنصرية بعدم الاستسلام للوضع القائم.
يبقى أن التخابث في اختراق القانون من قبل أجهزة في الدولة يعتمد على ارتداء ثوب الفضيلة، والحفاظ على "العادات والتقاليد"، والحفاظ على الدين، كما في هذه القضية، وكما في قضايا الآداب التي تخترق فيها خصوصية الناس. وأحيانا يعتمد على ارتداء ثوب الوطنية، كما في التجسس على المكالمات الخاصة وإذاعتها. وهذه مشكلة أخرى، لأن تقديم القانون على أنه المعوق الذي يمنع الناس من المحافظة على هذه الاعتبارات السابق ذكرها حيلة خبيثة لهدم القانون، ركيزة بناء الدولة الحديثة. وهنا يأتي دور القيادة السياسية الذكية، بعيدة النظر، القادرة على زنة نتائج التصرفات في مدى أبعد من النظر تحت أقدامنا؟
2
تساءل مرتضى منصور في ستاتس له على فيس بوك: هل نحن نواجه في مجتمعنا أزمة أخلاق؟