أزمات أثيوبية حلتها الكنيسة الأرثوذكسية.. وأخرى عالقة
تمتد علاقة الكنيستين القبطية والأرثوذكسية منذ عام 303 ميلادية، وتحديدا في عهد البابا أثناسيوس الرسول البطريرك العشرين، الذي رسم للكنيسة الأثيوبية أول أسقف لهم اشتهر بالأب سلامة، ورغم العلاقة الوطيدة بينهما إلا أنهما تعرضا للكثير من الأزمات استطاعت الكنيسة الأرثوذكسية حلها.
الأزمة الأولى
اختلف الأحباش في بعض القضايا اللاهوتية والطقسية مع مطرانهم الذي كان البابا بطرس السابع رسمه في 20 أغسطس 1851 باسم الأنبا كيرلس، وإذ لم يستطع الأسقف تقويم رعاياه حسب المفهوم الكنسي حرم عددا منهم، واعتدى بالضرب على الآخرين، فلما سمع البطريرك بذلك كتب إليه يأمره بالإقلاع عن هذا الأسلوب الجاف، وينصحه باستعمال الرأفة والليونة.
ولكن الأسقف لم ينجح في علاج الموقف، واستمر الوضع هكذا، حتى اغتاله رجل اسمه سبغيدس في مدينة عدوة بالحبشة، فأرسل إليهم البطريرك سنة 1841 مطرانا آخر هو الأنبا أندراوس، وكان تعلم اللغة الإنجليزية في مدرسة ليدرس الإنجليزية بالقاهرة.
ولما وصل الأنبا أندراوس إلى أثيوبيا وجد المشاكل متفاقمة، فكتب للبطريرك بطرس السابع يطلب منه المساعدة في تصفية هذه المشاكل، فأرسل إليه القس داود رئيس دير الأنبا أنطونيوس وحمله رسالتين واحدة للمطران والأخرى للشعب الأثيوبي.
وسافر القس داود الصوامعي سنه 1851 واصطحب معه القس برسوم الانطونى الذي صار فيما بعد مطرانا للمنوفية باسم الأنبا يؤانس، وحاول القس داود أثناء وجوده أن يحل المشاكل العقائدية القائمة بين المطران والشعب، وأن يضع حدا حاسما لمشكلة دير السلطان الذي تتنازعه الكنيستان.
إلا أنه لم يتوصل إلى تسوية قاطعه في كلا الأمرين، وكان للقنصل الإنجليزى يدا في هذا النزاع، لدرجة أنه أثار النجاش عليه فأخر موعد عودته إلى مصر وضايقه إلى حد ما، ثم سمح بعد ذلك بالسفر، فعاد إلى القاهرة في 17 يوليو 1852 بعد أن قضى هناك سنة وبضعة أشهر، وفيما بعد نقم الأحباش على الأنبا أندراوس فأودعوه السجن حيث ظل فيه إلى أن توفي عام 1867.
ا?زمة الثانية:
وقع في أيام البابا كيرلس الرابع خلاف بين الحكومتين المصرية والحبشية بسبب تعيين الحدود بينها، وطلب السلطان عبدالمجيد العثماني من سعيد باشا خديوي مصر بأن يرسل بطريرك الأقباط إلى البلاد الحبشة لعقد اتفاق بينه وبين ثيودور ملك الحبشة والذي كان قد تعدى على بعض نقاط الحدود في إقليم هرر، وحدثت مشاكل للتابعين في ذلك الوقت للحكومة المصرية العثمانية، فجهزت له باخرة، وقام البطريرك بهذه المهمة السياسية بدون أن يدرى به أحد إلا الذين رافقوه في السفر وبعض خدامه.
وسافر البابا كيرلس الرابع رغم إن السفر كانت تعلوه الكآبة ويشوبه التشاؤم من هذه السفرية، وكان يرافقه اثنان من أغوات المنزل (جمع أغا)، فانتهز فرصة طول السفر وتعلم منهم التركية.
ولما علم النجاش بقدومه خرج لملاقاته بموكب حافل على مسيرة ثلاثة أيام من عاصمة مملكته، وطلب منه أن يمسحه ملكا بحضور جميع ملوك الحبشة، وكان في الحبشة بعض من المرسلين الإنجليز المرسلين من (جمعية التبشير بالإنجيل) لبث تعاليم ما رتبه لوثر كينج البروتستانتية بين الأحباش، وتقربوا من النجاش بعمل المدافع وصنع الأسلحة لحبشة، وتعليمهم فنون الحرب والقتال، حتى سأل إليهم وأعطاهم الحرية ليجولوا في كل مكان، فكانوا يعبثون بطقوس الكنيسة القبطية، ولم يفلح مطران الحبشة في مقاومتهم، فانتهز فرصة وجود البطريرك ورفع أمرهم إليه، فبعد انقضاء الأفراح طلب البطريرك من النجاش أن يرد لبلاد مصر ما أخذه منها، فأجابه إلى طلبه بسرور زائد، ثم كلمه بشأن المرسلين الإنجليز وطلب منه ترحيلهم، فاعتذر بكونهم يعلمون جنوده فنون الحرب، فأفهمه أن الحال غير داعية للحرب، فأمر النجاش بإخراج المرسلين من بلاده، فحقدوا على البطريرك وعملوا على الانتقام منه.
وكان البطريرك قد طلب من سعيد باشا أن يسير إليه بعض الصناع والمعلمين، فأوحي إليه قنصل الإنجليز بأنه هذا يريد أن يسلم بلاده إلى النجاش، ومازال سعيد باشا حتى قام إلى الخرطوم بجيش عظيم، وفي الوقت نفسه كان الإنجليز يحيكون مكيدة أخرى ضد كيرلس لدى النجاش، فدسوا عليه أنه قدم لطرد الإنجليز الذين كانوا يعدون له الآلات الحربية ليمكن والي مصر منه.
وحمل إليه من قبل سعيد باشا كسو (كساء) مسموما إذا ما لبسته قضي عليه، وكان فعلا من بين الهدايا التي قدمها البابا كيرلس للنجاش برنسا مزركشا بالجواهر الكريمة فهاب النجاش الأمر، لاسيما لما علم بقدوم سعيد باشا بجيشه إلى الخرطوم، فأمر بسجن البطريرك وضيق عليه الخناق، وخشية من أن يفلت البطريرك، ويمسح ملكا آخر للحبشة سواه، اصطحبه معه، فكان يسوقه أمامه في كل مكان يحل به محاطا بالحراس وكان إذا جلس يقف أمامه، ويبكته بأغلظ الألفاظ.
تمكن البابا من أن يصل إلى والدة النجاش، وأفهمها بحقيقة الأمر، فتوسلت إلى ولدها من جهته، فسمح له أن يدافع عن نفسه، فتمكن من إقناعه بجليل مقاصده، ومن ثم طلب أن يلبس الثوب الذي ارتاب فيه فلبس البطريرك مدة يومين دون أن يصاب بأذى، ولبسه رجل محكوم عليه بالإعدام مدة ثلاثة أيام فلم يصبه سوء، وكان النجاش قد أمر بحرم البطريرك حيا، فعفي عنه.
وأرسل البطريرك إلى سعيد باشا أن نجاحه متوقف على رجوعه من حيث أتى، فرجع سعيد باشا إلى مصر بقواته من الخرطوم، وهنا عرف النجاش حقيقة الموقف، واعتذر للبطريرك على سوء فعلته وذلك برفع حجر على رأسه كعادة الأحباش وكان قد مر أكثر من سنه منذ خرج الأنبا كيرلس من مصر ولم يرد عنه خبر أو يسمع عنه شئ، وكان الناس قد قلقوا عليه كثيرا، وبعد سنه وأربعة اشهر حل مكتوب منه ينبئ بأنه وصل إلى الخرطوم ومعه اثنان من رجال حكومة الحبشة، أحدهما قسيس الملك والثاني وزيره، فسر الشعب بعد أن ظنوا أنه مات
الأزمة الثالثة
حدثت تلك الأزمة في عام 1959 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكذلك في عهد البابا كيرلس السادس والذي كانت له زيارت إلى أثيوبيا حيث اهتم بأبنائه هناك كما لبى دعوة إمبراطورها لزيارة أثيوبيا زيارة رعوية تعمل على تدعيم الصلات التاريخية ليجمع شمل الكرازة وأعطى أذناً صاغية لمطالبهم، وكانت لهذه اللفتة أثرها الكبير في تدعيم الروابط، حيث عالج الأمور ورسم لهم اول بطريرك هو الأب باسيليوس كاول.
البابا كيرلس السادس وحل أزمة مياه النيل
وكان البابا كيرلس السادس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية قد تدخل لدى إمبراطور إثيوبيا الأسبق «هيلاسلاسي» في حل أزمة متعلقة بمياه النيل أثناء حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، لوجود روابط قوية بين الكنيستين المصرية والإثيوبية وبالفعل تمت حلها مما دعي الرئيس جمال عبد الناصر الي الاهتمام بتوثيق العلاقات بينه وبين الإمبراطور هيلاسيلاسى حاكم الحبشة «إثيوبيا»، مستغلا كون مسيحيي إثيوبيا من الطائفة الأرثوذكسية، ودعا الإمبراطور هيلاسيلاسى لحضور حفل افتتاح الكاتدرائية المرقسية في العباسية عام 1964.
إلا أن كل هذه الأمور تغيرت ولم تستطع الكنيسة الأرثوذكسية الآن حل أزمة سد النهضة بعد سقوط هيلاسيلاسي وسيطرة الحكم الشيوعي عليها.